وداعا صديقي الأستاذ والمناضل أحمد الطريبق… لروحك الرحمة والسكينة

بقلم، الأستاذ محمد الصادق الحيرش

وداعا صديقي الأستاذ والمناضل أحمد الطريبق…لروحك الرحمة والسكينة

لم تمض أيام معدودات على آخر لقاء جمعني بالمرحوم الأستاذ الدكتور أحمد الطريبق… كنا نلتقي كلما سمحت لنا الظروف في ندوة علمية أو في نشاط ثقافي أو في إحدى المقاهي بتطوان أحيانا وبمارتيل أحيانا أخرى. لكن اللقاء الأخير الذي جمعني به امتد بنا دون أن ننتبه إلى الوقت… دام أكثر من ثلاث ساعات على غير العادة في اللقاءات التي كانت تجمعنا منذ سنوات طوال… تكلمنا طويلا في موضوعات مختلفة، في الفلسفة والسياسة والحياة. لا تملك وأنت في جلسة حوار مع السي أحمد إلا أن تصغي إليه وتحترم ما يقول؛ لأنه ما كان يتكلم في موضوع إلا وقد اشتغل به وقرأ عنه كثيرا. حواراته كانت دائما ماتعة ومفيدة… أخذنا الكلام في هذا اللقاء الأخير إلى أن فاتحني في بعض الأعمال البحثية الخاصة التي كان يعتكف على إنجازها؛ سألني عن بعض دور النشر لاستيائه من تجربة نشر سابقة. أسعدني كثيرا ما سمعته منه عن أعماله ومشاريعه البحثية، فشجعته ومددته بعنوان ناشر مغربي وآخر مشرقي.
افترقنا بعدما اتفقنا على أن نلتقي في أقرب مناسبة لنتبادل بعض الكتب، ولنتحدث في موضوع انضمامه السنةَ الجامعية المقبلة إلى الفريق البيداغوجي لماستر “التأويليات والدراسات اللسانية”، حيث كان سيتولى تقديم محاضرات في “التأويلية الفلسفية”…
تعرفت على السي أحمد الأستاذ والمعتقل السياسي السابق في نهاية الثمانينيات حين اقترح علي أخي وزميلي الأستاذ مصطفى الحداد أن نزوره في بيته حيث تربطه به علاقة وطيدة. منذ هذا اللقاء لم تنقطع أواصر الصداقة والمودة بيننا؛ فقد أتاح لي الأخ الحداد، وأنا حديث العهد بتطوان، أن أتعرف على مناضل وباحث عصامي مستنير، محب للعلم والمعرفة، لا تمل من النقاش معه سواء تحدث معك في قضايا الفكر أو في شؤون الحياة وشجونها. خصاله الإنسانية العالية يشهد بها الجميع بمن فيهم أولئك الذين كانوا في فترة الشباب لا يشاطرونه آراءه السياسية. يجتذب أصدقاءه بهدوئه الحكيم وتسامحه الأصيل، بدقة رؤيته للأشياء وجدية مواقفه… لم يتردد خلال لقائنا الأخير في عد الفترة التي قضاها باقتدار مديرا “للمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين” (فرع تطوان) أنها كانت فترة على حساب أبحاثه وأعماله العلمية… ومع ذلك ظل لصيقا بالبحث منخرطا فيه، بل انقطع إليه كلية في العامين الأخيرين بما كان سيسمح له بإنضاح مشاريعه وإنجازها… من يرجع إلى عمله الرصين والمتكامل حول “نقد فلسفة الحداثة عند ميشيل فوكو” الذي قضى في إنجازه فترة زمنية غير قصيرة وأعماله الفلسفية الأخرى سيلمس مدى التحري والدقة البحثية التي كان يلتزم بها المرحوم، ومدى العمق الذي يطبع طريقة تعامله مع أسئلة الفلسفة الحديثة وإشكالاتها… ففي رحيل الأستاذ الدكتور أحمد الطريبق خسارة حقيقية بالنظر إلى ما قدمه من أعمال وبالنظر إلى ما نضج له من أعمال أخرى كان منقطعا لإنجازها في المستقبل القريب…
رحيلك أخي أحمد في هذه الأيام الصعبة أفجعنا، فعزائي الحار لجميع أفراد أسرتك ولأصدقائك وزملائك. وعلى روحك رحمة الله وسلامه…

Loading...