شذرات من حياة هاربة

بقلم: يوسف خليل السباعي

الأخطاء!

التاريخ مليء بأخطاء البشر!
الخطأ الأول كان بقتل قابيل لأخيه هابيل. وهذا القتل تجرع ألمه آدم!
إن القضية هنا لاتتعلق بعملية القتل، وإنما بالخطأ.
كثيرا ما نرتكب أخطاء مشتركة. شائعة. نندم عليها فيما بعد.
إنني أفكر في الخطأ في حياتنا كبداهة!
ومن هنا، يطرح سؤال جوهري نفسه علينا بإلحاح: كيف لنا أن نتخلص من ارتكاب الخطأ!؟…

لنقل بداءة، إن الخطأ بداهة، لكنه يسبب الألم والجرح, إلا أن من يرتكب الخطأ أناني، لايعترف بالخطأ، بل إنه يضخمه، إذ يضع علي وجهه قناعا. ففي لاوعيه هو مخطئ، لكنه يدثره بغطاء الزيف والإفتراء والكذب والبهتان!
إن الصورة واضحة الآن.

إن التخلص من الخطأ يتمظهر عن طريق الإعتراف!
وهذا الإعتراف يجعلنا نفكر في الخطأ!
الإعتراف يقوض الخطأ، ويمحوه، بل إنه يدهسه قبلا!

الشياطين!

الشيطان! ماذا يعني!؟ سؤال لن نجد له جواب واحد، بل أكثر من جواب. إنه الغواية، والفتنة، والجحيم. بل وأكثر من ذلك: المتحول.

من الذي أغوى حواء وآدم، إنه الشيطان. وهناك في المخيال يظهر الشيطان في صورة حية، والحية رمز للغواية والموت، وهذا الموت له أداة هي السم: سم الحية.
الشيطان في المخيال له أكثر من وجه، وصورة، ومع ذلك لايمكن أن نحدده في صورة. إن صورته غير قابلة للاختزال.

لا نريد، في هذا المضمار، أن نسقط في خلوقية ما: الخير والشر.
ألم يكن الشيطان قبل خلق الإنسان: آدم. ملاكا؟…ولكن أكلت قلبه الغيرة. لم يكن يسمح لآدم أن يأخذ مكانه، فجعله يأكل التفاحة التي حرمت عليه هو وحواء، هذه الأخيرة التي ولدت بروح من الله من جسم آدم، وكأن الله تعالى منذ بداية الخليقة جعل آدم وحواء توأمين، متجانسين، ومخلوقان من تراب، فيما كانت النار هي الصورة الدالة على الشيطان، والنار تضيئ وتحرق. ثوب ملاك، وإرادة تدمر. ومن هنا، إرادة الشيطان المدمرة: السلطة.
والسلطة، كما نعرف متعدد كالشياطين.
إن فتنة الشيطان لا حدود لها، وهو يوجد في أكثر من مكان.
ما إن أكل آدم من التفاحة حتى سقط في الأرض: الجحيم والامتحان والمتع، والبقية تعرفونها: وكانت أول جريمة في تاريخ البشرية( قابيل وهابيل)، وكان تاريخ طويل من ألاعيب الشيطان وتعاقداته، واحتيالاته.
وإلى اليوم والشيطان يجري، ولايتعب، ويغوي، ويفتن، بل يدمر ويقتل.

أعماق البشر!

أعماق البشر كأعماق المياه.
أقصد مياه البحر، تلك المياه التي تتبدى مرة صافية كلون الفضة، ومرة أخرى تتبدى وسخة.
وإذن، بين الصفاء والوسخ تبدأ الحكاية.
أحيانا، نقول حكاية قديمة أوعريقة، منذ قتل قابيل لهابيل.

قابيل، الذي يمثل الوسخ، والعمق النفسي الوسخ، وهابيل الذي يمثل الصفاء والبراءة، لكن هل بمستطاعنا الوصول إلى أعماق النفس البشرية ومعرفة ما تخبأه من وسخ أوصفاء؟… يبدو أن الجواب بسيط، غير أن الجواب الحقيقي سيكون جوابا عن مسألة مركبة.

أليس الأمر يتعلق هنا بالبحث عن المستحيل، أو لنقل، المجهول؟…

إن الأمر هنا يتعلق بجواب عدمي، جواب معلق.
ومن بين الأسئلة والاستفهامات، ثمة سؤال آخر: هل هناك فعلا أعماق صافية، وأخرى وسخة… أو أن هناك تشاكلا ما بين هذا وذاك، وما ينظر إليه على أنه أعماقه صافية، هو عكس ما نتمثله، وما ينظر إليه على أن أعماقه وسخة، هو أيضا عكس ما نتمثله.

وبناء على كل ماتقدم، تظل أعماق البشر مختلفة إلى حد ما عن أعماق المياه، ولكن، الأمواج العالية قادرة على تغيير الوضع المائي، كما أن أحداثا بعينها قد تلعب بمصائر البشر.

كان يمتعني جدا، في وقت سابق، عندما يكون البحر هادئا أن أضع رجلي في عمق مائي، ليس غارقا وغائرا، كان صافيا، وكان الحوت الصغير يمر سريعا، كنت أتمنى أن يكون كل البشر يملكون هذا الصفاء، الذي يظل حلما مستحيلا في عالم يملأه الحقد والكراهية والظلم والدم، إلخ…، ولكن هذه المياه لايستمر صفاؤها طويلا، ذلك أن هناك مياه وسخة وقذرة في أعماق كهذه والتي نراها في الصورة.

Loading...