مصطفى الحداد
شاركت صباح أمس (الجمعة 22/01/2021) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان في ندوة (الوقائع التاريخية من خلال الوثيقة العدلية) التي نظمتها الكلية، ومؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة، بتنسيق مع وزارة العدل.
تناولت في عرضي (الوثيقة والتاريخ) مجموعة من القضايا ذات الصلة بالدور المحوري الذي تلعبه الوثيقة (الرمز الدال على الواقعة كما يقول عبد الله العروي) في كتابة التاريخ عموما. عرجت على الوثيقة العدلية وبينت أهميتها بالنظر إلى مضامينها الأسرية الخصوصية والمدنية العمومية (الاجتماعية والاقتصادية والثقافية) على وجه الخصوص، وبالنظر إلى الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها. يمكنها على سبيل المثال لا الحصر أن تملأ بياضات في الكتابة التاريخية وتزود المؤرخ بمعطيات على درجة من الأهمية عالية تجعله يستغني عن الاستدلال بالسرد فيما يكتب لما تزخر به هذه الوثيقة من معلومات لا يقع الالتفات إليها فيما يجري حفظه في وثائق أخرى.
من الناحية الشكلية ناقشت الخصائص الخطابية التي تتميز بها هذه الوثيقة، ودعوت إلى الانكباب على دراستها دراسة دقيقة. فهي ليست كالوثائق الأخرى من حيث شكلُها. إنها شديدة الانضباط للقواعد التي تحكم صوغها والتي عُني بها الفقهاء القدماء منذ عهد بعيد. إنها قالب مُحكَم تحددت مفاصله عبر التاريخ تُصَبُّ فيه المعلومات المراد توثيقها يبتدئ هذا القالب بالتلقي فالتحرير ثم بالتضمين ويختتم بالخطاب (الذي يعني هنا تصديق القاضي). وكل مفصل من مفاصل هذا القالب محدد حتى بالعبارات التي يجب أن تظهر في الوثيقة وإلا كانت وثيقة لاغية (nulle et non avenue). الوثيقة العدلية وثيقة تحكمها شُرطة خطابية (Une police discursive) صارمة.
عرجت في عرضي أيضا على أمور عامة تتصل بعمل المؤرخ، من بينها أنني حاولت أن أبين أن الحدث أو الواقعة لا تصبح تاريخية إلا بعد أن تخضع لتأطير المؤرخ وصناعته. المرويات وما تحويه الوثائق لا يدخل في عداد التاريخ إلا باشتراك الاسم وشيء غير قليل من التوسع في استعمال الاصطلاح. إنها أخبار تتصل بالماضي، بالماضي الذي جرى. الماضي الذي كان ولم يعد، التاريخ رواية تروى في الحاضر، يوجهها هاجس الحاضر، وتؤرقها أسئلته المشرعة على المستقبل…
*- الصورة لجمع من المشاركين في الندوة.