صدى تطوان- حاوره -ربيع الرايس
على هامش الندوة التي نظمتها مؤسسة امغارة الرباحي يوم الخميس 01 يونيو 2023 في ناد الإتحاد بتطوان حول موضوع” دور المرحوم محمد البقالي في التكوين في مرحلة الستينيات” كان لصدى تطوان الحوار التالي مع الكاتب والباحث عبد العزيز الطريبق.
في البداية نرحب بك أستاذ عبد العزيز الطريبق في موقع جريدة “صدى تطوان” الإلكترونية ونبدأ بالسؤال .
س- عشتم تلك الفترة، فمن هو محمد البقالي المدرب؟
ج- محمد البقالي هو مشروع مدرب كبير أجهض في المهد. للوداد والرجاء الأب جيكو وللقنيطرة الصويري والخميري للمحمدية، ثم هناك العربي الزاولي والقدميري وكليزو… مدربين ارتبط اسمهم بفرق كبرى خلال فترة طويلة وبأسلوب لعب خاص. كان بالإمكان أن يكون محمد البقالي هو أب جيكو تطوان. فهو مدرب أنقذ المُغرب التطواني من الانقراض بعد عودتها للقسم الثاني في نهاية موسم 63-1962. رحل جل الإسبان من أبناء تطوان عن الفريق، وانسحب العديد من اللاعبين المغاربة المخضرمين بفعل السن، وكاد الفريق أن يعلن الاعتذار العام لغياب الموارد وحتى العدد الكافي من اللاعبين. لكن م. البقالي كان له رأيا آخر، فلقد كان مدربا للفئات الصغرى للفريق وكان بصدد تكوين جيل جيد من اللاعبين ينتظرهم مستقبل كروي زاهر. فتحمل البقالي مسوؤلية تدريب الفريق بعد أن عززه بجيشه الشبابي المتحمس (وكان أغلبهم تلاميذ في السلك الثانوي)… فإضافة لميتي ومصطفى البقالي والمراكشي (الملتحقين بالفريق من قبل) ظهر كل من موسى ولوكيلي ولحمراني ومحمد ولحسن الرينكون…
س- ماذا وقع بالضبط للمدرب محمد البقالي؟
سني في تلك الفترة لم يسمح لي بمعرفة سبب فصل المدرب محمد البقالي، وقد تمت إقالته بعد نهاية دورة الذهاب والفريق متصدر للترتيب بأرقام خيالية وبفارق 4 نقط عن الثاني، فريق اليوسفية الرباطية وكان وقتها فريقا للشرطة تقريبا ومدعم مركزيا… وهناك من الجمهور من لم يعلم بأمر إقالته سوى بعد فترة طويلة لأن الأنظار كانت متجهة نحو الفريق الذي كان يلعب من أجل الصعود من جديد لقسم الصفوة. راجت عدة أشياء وقتها تمس بالمدرب ولم يكن بالإمكان التأكد منها. بطل الجمباز المرحوم الطيب البقالي في كتاب له عن المُغرب التطواني فسر الأمر بدفاع المدرب المستميت عن توفير أحسن الظروف للاعبين (مطالبته بلباس رياضي لائق بمكانة الفريق وإقامة في فنادق محترمة ومِنح مطابقةٍ لمردود الفريق، مع منحٍ استثنائية في الأعياد الدينية…) خصوصا بعد أن تحسنت موارد الفريق بحضور جمهور كثيف لمبارياته، لكن المكتب لم يستجب وعمل على تحريض بعض اللاعبين صغار السن ضد المدرب لتتم إقالته ضدا على المنطق الرياضي… هكذا ضاعت تطوان في مدرب تفانى في خدمة الفريق وغالبا ما كان يساهم بماله الخاص لتوفير بعض الضروريات، كما كان مدربا مجتهدا وصاحب كفاءة باللعبة وفر فريقا يلعب كرة سريعة (قياسا لإيقاع البطولة المغربية وقتها) جميلة وفعالة… كما كان البقالي يقتنص المواهب من أحياء المدينة وفرقها الصغرى ويرعاها بالتكوين، ويجتهد لفتح جميع الأبواب لكي يتم إدماج الموهوبين منهم في الفريق الأول… لكن هناك من المسيرين من فضل إقصاءه وحرمان المدينة من طاقة تدريبية هائلة.
س- ما موقع فريق منتصف الستينات من التاريخ الكروي التطواني؟
حين انطلاق موسم 1963-1964 في القسم الوطني الثاني، كان مصير المُغرب التطواني مجهولاً كما أشرت لذلك. إذ غادَر اللاعبون الإسبان الفريقَ والمدينة (طوطو ومولينا وإليساردو وبوطوس…) وغاب المكتب المسير(وكان الرئيس الفيلالي الذي صاحب الفريق منذ الاستقلال، قد انسحب أواخر سنة 1962 لغياب الدعم)، فبادرت السلطات بإسناد مقاليد الفريق لرئيس المجلس الإقليمي. هنا تَدخَّلَ المدرب محمد البقالي ليرمي في الساحة بشبان الفريق (17 و18 سنة لأغلب عناصره) وقد قاموا بموسم محترم بالنظر لحداثة سنهم وكان موسم استئناس… ومر الموسم في رتابة مع غياب شبه كلي للجماهير عن مدرجات “لامبيكا”، بل حتى نحن أطفال وشبان حي سانية الرمل المجاور للملعب، لم نكن نذهب للملعب تقريبا…
لكن في موسم 65-1964 انفجرت موهبة شبان الفريق وشكلوا فريقاً لم يُحقِّق ألقاباً، لكنّ ذكراه مازالت حاضرة في المدينة. حقق هذا الفريق الصعود في مواجهة فريق اليوسفية الرباطي وأعاد آلاف الجماهير للملعب… خلال مباريات الذهاب تسيد المغرب التطواني الترتيب منذ الدورات الأولى وحقق 8 انتصارات وتعادلين وانهزم مرة واحدة في آخر دورة من الذهاب ضد اليوسفية بالرباط مع مهزلة تحكيمية كبرى. اما في دورات الإياب، فلقد انخفض إيقاع الفريق بعض الشيء بفعل تغيير المدرب (وتعويضه بمدرب إسباني) ونتيجة للظلم التحكيمي. ومع ذلك حقق الفريق 5 انتصارات و3 تعادلات وانهزم 3 مرات في ملاعب صعبة كسيدي قاسم (حيث تعرض الفريق للضرب في الملعب وخارجه) وطنجة ضد الاتحاد ثم بالرباط ضد المغرب الرباطي… وتمكن الفريق من ضمان صعوده في آخر دورة بتطوان ضد منافسه اليوسفية الرباطي (التعادل 2-2) في مباراة الأعصاب حيث كان الفارق بين المجموعتين نقطة واحدة فقط، كان من الصعب على “أصحاب الحال” تفضيل اليوسفية (بجمهوره القليل) على فريق يتقن الكرة ويجر آلاف الجماهير وراءه.
و لم يرسم هذا الصعود سوى بعد وقت طويل عن انتهاء آخر مقابلة من بطولة القسم الثاني تحت مبرر طعن فريق اليوسفية في نتيجة إحدى المباريات…… لكن الجامعة “حشمت” في نهاية المطاف، بعد إحالة الملف على عدة لجن وأكدت للمُغرب التطواني حقَّه الطبيعي في الصعود!
عرف المُغرب التطواني منذ الاستقلال تناوب عدة أجيال من اللاعبين الموهوبين (جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات والقرن الحالي) وصولا إلى جيل الألقاب، لكن جيل منتصف الستينات له مكانة خاصة لأنه شكل نقطة لعودة الروح لمدينة تطوان بعد سنوات من التهميش الذي دخلت فيه المدينة إثر استقلال البلاد سنة 1956, جيل كان يجسد روح المدينة: لعب أنيق، روح رياضية، تقنيات عالية… وفوق هذا وذاك شبان من أبناء الفريق والمدينة (مع جوارها) لم يكلفوا الفريق في شيء، بل أضاع جلهم مستقبله في خدمة قميص المدينة. هذا الفريق “سحر” الجماهير المغربية في مختلف الملاعب التي كان يزورها بمستواه الراقي.
وسأتلو عليك هنا ما كتبته جريدة العلم في حقه، آنذاك، بعد تحقيق الصعود: “وليس غريبا على الإطلاق أن تعود المغرب التطواني إلى القسم الأول، فقد اشتركت مع اليوسفية هذا الموسم في تقديم أحسن المباريات وأقواها، كما أن لعبها يتميز بالبراعة و”التكتيك” الخاص القريب جدا من طريقة اللعب وبراعته عند الفرق في كثير من البلدان المتقدمة فيها لعبة كرة القدم- كإسبانيا مثلا”…
أن يقال هذا عن فريق في القسم الثاني يلعب في ملاعب متربة، في غالبها، أو ذات أرضية صلبة وبدون حماية من الجمهور المتعصب في بعض الملاعب، فلهذا الكلام قيمته الكبرى.
ستبقى لذلك الجيل مكانته الرفيعة في التاريخ الكروي التطواني لأنه صالح المدينة مع نفسها ولأنه شكل قدوة للأجيال التي أتت بعده ولأنه تعرض لظلم تحكيمي غير مسبوق نال معه تعاطف سكان تطوان… كما ستبقى للمدرب محمد البقالي، صانع هذا الجيل، مكانته المرموقة في تاريخ المدينة الكروي بينما نسي الجميع جل أسماء أعضاء المكتب الذين تسببوا في إيقاف مسيرته.