الكل يستغرب كيف للمغرب هذا البلد الذي في كل مرة يطّل علينا بشعارات رنانة كلها تلتقي في ترسيخ الحقوق والديموقراطية و التنمية البشرية ، لكن نصطدم بمؤشر التنمية الذي تعتمده الأمم المتحدة أنه يحتل المراتب الأخيرة وراء دول تعرف حروبا و نكسات و وضعا غير مستقر ؛ يجعلنا نتساءل:
المغرب بلد مسقر سياسيا، بلد يحتل موقعا جغرافيا متميزا ؛ بلد له ثروة سمكية فهو على دفتي بحرين عظيمين ؛ بلد له من الثروات المعدنية ينافس بها أصحاب النفط ؛ له ثروة فلاحية باعتباره بلد فلاحي.
بلد أصبح يأخذ طابعا سياحيا بقوة.
بالنظر للمعطيات نستنكر هذا الترتيب و قد نراه مجحفا في حق بلد يتوفر على مقومات من شأنها تجعله في المراتب المتقدمة.
لكن حين نضع هذه المقومات في كفة و نذهب إلى الكفة الثانية التي يوجد بها الشعب المغربي و حقه في الصحة و التعليم و العيش الكريم سنجد هذه الكفة هزيلة خفيفة لا تنزل بثقلها على مؤشر التنمية لأننا أمام :
1* تعليم فاشل لا يشتغل على بناء الانسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد ، تحس معه أنه تعليم ضاعت منه البوصلة بين الحفاظ على الهوية المغربية القائمة على ترسيخ القيم الوطنية و الدينية و قيم التعايش عبر مناهج ناجعة و مقررات هادفة لا تحدث خلخلة و شرخ في الفكر المغربي الذي هو بصمة المجتمع ، و بين خلق أرضية اشتغال تتوفر على وسائل تتيح للأطر التربوية المساهمة بشكل فعال في تنزيل المناهج و المقررات أينما تواجدوا سواء في القرى النائية أو في الأحياء الهامشية أو في المدار الحضري بالمدن ….في المقابل نجد التعليم في المغرب تحول إلى حلبة صراع بين المعلم و التلميذ و هو صراع تولد نتيجة ضياع هذه البوصلة ليصير ضحية هذا الضياع الأستاذ الذي يمثل جانب المربي الذي يعول عليه في تنشئة الأجيال و التلميذ الذي من المفترض هو المواطن الذي سيقود قطار التنمية في المستقبل و إذا نشب الصراع بين من يصنع المستقبل و بين من هم المستقبل فلا تنتظر أي تنمية في المستقبل.
ناهيك على أن هذا القطاع صار وجهة لمحاربة البطالة فبات كحل ترقيعي يعتمد على قانون التعاقد بهدف إسكات الأفواه المحتجة للمعطلين.
2* قطاع الصحة : ضعف الخدمات ، قلة المستشفيات ، غياب التغطية الصحية في الأوساط الهشة و التي تمثل الشريحة العظمى ، تمركز بعض التخصصات لبعض الأمراض – و التي باتت منتشرة في ربوع المغرب – فقط في المدن الكبرى مما يدفع نسبة عالية من المواطنين الاستسلام للموت البطيء بسبب ضائقة اليد و ضعف إمكانيات التنقل و الخضوع للعلاج ، ندرة المراكز الصحية التي تواكب صحة المواطن فيما يخص الدعم و العلاج النفسي ، ندرة المراكز الصحية التي تعنى بالصحة الإنجابية خصوصا في الأحياء الهامشية و القرى و المدن الصغيرة…..أمام هذه الوضعية الهشة لقطاع الصحة تولد صراع بين المواطن المقهور الذي يفتقر لإمكانيات مادية و بين الطبيب الذي لا يتوفر على أرضية اشتغال توفر لهؤلاء ظروف علاج ملائمة للحالة ، في حين ظلت الجهة الوصية كالمتفرج على نتائج الصراع لا تحرك ساكنا مادام المواطن ينزل بثقل المشكل على الأطباء.
3* الضرائب التي تثقل كاهل المواطن المغربي بدءا من الضريبة على الأزبال وصولا بالضريبة على الممتلكات، والتي يعاني منها ذاك المواطن البسيط الذي يطمح لعيش كَرِيم لأنه محاسب عليها ، في المقابل يتملص منها أباطرة المشاريع ؛ مما يتولد عنه شرخ اجتماعي و يظل ذلك المواطن البسيط يدفع ثمن الأزمات التي تمر منها البلاد.
إن الرتبة التي منحها مؤشر التنمية للأمم المتحدة للمغرب ليست ظلما و عدوانا بل هي صورة حقيقية للاختلالات التي تعاني منها قطاعات حيوية و التي ترتبط بالمواطن المغربي بشكل مباشر ، لا يمكن تجاوزها إلا بمسؤولين يتمتعون بالمواطنة الحقة و الجرأة في محاربة الفساد و ربط المسؤولية بالمحاسبة و أن المواطنين سواسية أمام القانون و أن لا يظل هذا مجرد شعارات رنانة لتنميق الخطابات الساسوية ، لنصطدم ككل سنة بالرتبة المتدنية التي يحتلها في ركب التنمية، لأن ذلك المواطن البسيط المعول عليه في التنمية البشرية مازال يجر ذيول الخيبات و مازال يدفع ثمن الأزمات التي تلقى كرها على عاتقه ويتملص منها من تسببوا فيها.