جريدة الصباح: المختار الرمشي.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تبدأ “كارتيلات” تهريب المواد الغذائية الفاسدة والمنتهية صلاحيتها في البحث عن منافذ ووسائل تمكنها من تسريب هذه المواد إلى التراب الوطني، والبحث عن أماكن آمنة سرية لتخزينها في انتظار ترويجها بالأسواق المغربية، مستغلة محدودية أجهزة المراقبة الصحية وضعف القوانين الزجرية أو عدم تفعيلها على الأقل خلال هذا الشهر الفضيل.
وتعتبر مدينتي سبتة ومليلية، الرازختين تحت وطأة الاستعمار الاسباني، مصدرا مهما لتهريب الأطنان من المواد الغذائية ذات جودة استهلاكية ضعيفة، أو تلك التي اقتربت مدة صلاحيتها من الانتهاء، خصوصا خلال شهر رمضان وفي فترات ذروة الاستهلاك، إذ تعرف جل الأسواق العمومية بمدن الشمال، كتطوان وناظور وطنجة والقصر الكبير، إقبالا منقطع النظير على هذا النوع من المنتوجات، التي تحمل أغلبها عناوين ومسميات باللغة الإسبانية، وتكون أسعارها تنافسية مقارنة مع المراكز التجارية الكبرى ونقط البيع المنظمة.
وفي جولة بأسواق طنجة، خاصة سوقي “كاسابراطا” و”فندق الشجرة” الشهيرين، تصادف عشرات المحلات التي تعرض هذه المنتوجات بطريقة مكشوفة على منصات ضخمة بارزة للعيان، وكذا مئات “الفراشة” المتخصصين في بيع مواد مهربة كالمصبرات على أنواعها والعصائر والحليب ومشتقاته، وهو ما يعطي انطباعا لدى جل المواطنين بأن الأمر يتعلق بأسواق قانونية، ومصداقية لتسويق مواد غير خاضعة للمراقبة الصحية، وأخرى منتهية الصلاحية أو طالها التلف.
وتعرف هذه الأسواق، لا سيما خلال أيام رمضان، إقبالا كبيرا من طرف المواطنين باختلاف مستوياتهم الاجتماعية، بالرغم من أن الكثير منهم يعرفون أن المواد الغذائية المعروضة أمامهم تنقل في ظروف غير صحية ولم تخضع لأدنى مراقبة طبية، وأن تواريخ الصلاحية المثبتة عليها مشكوك فيها، محملين المسؤولية كاملة للدولة ومؤسساتها، باعتبارها توافق على دخول هذه السلع للمغرب وتسمح بترويجها.
وأكد فاعل جمعوي في مجال حماية المستهلك بالمدينة البوغاز، أن التهريب وسيلة يتخلص بها تجار مدينة سبتة من المواد الفاسدة، مبرزا أنهم يلجؤون عادة لسماسرة مغاربة من أجل تسريب وتبييض مخزوناتهم من المواد منتهية الصلاحية تجنبا لتكاليف إتلافها، ويستعينون بوحدات سرية لإعادة التعبئة وتحرير تواريخ للصلاحية والعنونة، مؤكدا أن السلطات الأمنية الإسبانية سبق لها أن ضبطت شبكات متخصصة، تقوم بوضع تواريخ جديدة على مواد قربت مدة صلاحيتها على الانتهاء، وذلك لتسريبها وترويجها بالأسواق المغربية.
وقال الفاعل الجمعوي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إنه “من أهم الأسباب التي تدفع المواطن إلى اقتناء هذه المواد، تكمن بالأساس في ضعف القدرة الشرائية وصعوبة التمييز بين ما يصلح للاستهلاك وما لا يصلح، لاسيما أن جل الأسواق غارقة بكميات ضخمة من المواد الفاسدة والغير الصالحة للاستهلاك، في حين نجد الأجهزة المسؤولة عن المراقبة عاجزة عن التدخل بسبب تعقيدات هذه العملية، لتترك صلاحية التمييز للمستهلك (الضحية)، المعرض للتلاعب والتضليل والاستغلال من طرف الموردين والتجار الذين يقومون بخلط المواد الصالحة مع المواد الغير الصالحة دون مراعاة ما ينطوي عليه ذلك من أخطار على صحة المواطنين”.
واختتم المصدر حديثه بالتنبيه إلى هذه التجارة التي تكبد الاقتصاد الوطني خسائر لا حدود لها، وتساهم في انتشار الأمراض والفتك بصحة المواطنين، بالإضافة إلى تهريب العملة ومنافسة المنتوج الوطني، مشددا على ضرورة تنفيذ القانون والكف عن التبريرات التي تصنف هذا النشاط التجاري بكونه “تهريب معيشي”، بينما يدر على مافيات التهريب الملايير من الدراهم.