تعد فترة بداية التسعينات من القرن الماضي بشمال المغرب، هي فترة البداية الحقيقية لدخول شاشات التلفاز إلى بيوت جل الطبقات الاجتماعية بالمدن والقرى، والبداية الحقيقية للجلوس أمام الشاشات لمتابعة البرامج والمسلسلات، بعدما كان ذلك منحصرا في بيوت الاغنياء والطبقة المتوسطة فقط.
وتزامنت هذه الفترة في شمال المغرب مع تحرر قطاع الاعلام في اسبانيا وظهور العديد من القنوات الاسبانية ذات البث القوي الذي كان يُلتقط واضحا وبجودة عالية من لاقطات الهواء على أسطح البيوت المغربية بشمال المغرب، خاصة في مدن طنجة وتطوان وشفشاون وسواحلهم.
وكانت لاقطات الهواء “لانتينا” كما كان يسميها الشماليون ويُستعمل في التقاط موجات القنوات الاسبانية وقناة الأولى المغربية على الخصوص، قد اكتسحت جل الأسطح بمناطق الشمال، وعرف سوق بيع أجهزة التلفاز اليابانية “إليكتا” رواجا كبيرا، لتبدأ حينها متعة الجلوس أمام التلفاز ومتابعة البرامج والمسلسلات خاصة على القنوات الاسبانية التي كانت تقدم موادا متنوعة بتنوع قنواتها وقوة بثها وجودة صورتها.
ولا زال أولئك الذين عاشوا تلك الفترة يتذكرون بحنين خاص كيف كانت القنوات الاسبانية ملاذا لهم لمتابعة مختلف البرامج الترفيهية والرياضية إضافة إلى الافلام الحديثة أنذاك والمسلسلات والسلسلات التي لم تكن في استطاعة القناة المغربية الوحيدة تقديمها لمشاهديها المغاربة.
يصرح “أحمد سعيد” في هذا السياق، كيف كان يتابع بعشق كبير في بداية التسعينات، “الليغا” الاسبانية على قناتي “البريميرا” و “السيكوندا” الاسبانيتين، خاصة مباريات ريال مدريد وبرشلونة دون الحاجة إلى بطاقة اشتراك خاصة أو جهاز خاص غالي الثمن، عدا لاقط الهواء الذي لم يكن يتعدى ثمنه المئة درهم آنذاك.
بدوره يتذكر “رشيد” كيف كان يسجل باهتمام كبير كل مواعيد الافلام الامريكية الكبرى التي كانت تذاع على قناة “أنتينا تريس” الاسبانية، ليخبر زملائه حتى يشاهدها الجميع، مؤكدا ان عشقه للسينما والافلام الامريكية بدأ مع متابعته لها على هذه القناة التي كانت السباقة في اسبانيا لعرض أقوى الافلام العالمية، في الوقت الذي كانت القناة المغربية تعرض أفلاما قديمة من “خردة هوليوود”.
كما يتذكر أغلب شباب اليوم ممن عاشوا طفولتهم في فترة التسعينات، أغلب الرسوم المتحركة، وسلسلات الاطفال، وسلسلات الاكشن والبرامج الترفيهية التي كانت تعرض على قناة “البريميرا” و”أنتينا تريس” و”تليسينكو”، كمسلسل الرسوم المتحركة “أوليفر اي بينجي” الذي بث على القناة المغربية لاحقا تحت اسم “الكابتن ماجد”، إضافة إلى سلسلة “باور رينجرس”، وسلسلة الاكشن “شرطة تيكساس” التي اشتهرت بين اطفال الشمال بسلسلة “التشيكنوريس” وبرنامج المسابقات والترفيه “غران بري”.
وفي العموم فإن أغلب القنوات الاسبانية كالقنوات المذكورة، إضافة إلى قناة “كنال سور” و”كواترو”، كانت تحظى بمتابعة قوية من طرف سكان شمال المغرب، كما أثبتت الدراسات الاسبانية انذاك، وهذه المتابعة القوية هي التي كانت وراء عدم رغبة الاسبان انشاء قناة مغربية اسبانية مشتركة على غرار قناة “أرتي” بين فرنسا وألمانيا بدعوى أن لا حاجة لاسبانيا في هذه القناة ما دام أن متابعة المغاربة في الشمال للقنوات الاسبانية متابعة واسعة وقوية.
وعلى كل حال، فإن القنوات الاسبانية في هذه الفترة بالذات، أي فترة التسعينات، كانت هي الملاذ الاول الذي يهرب إليه المشاهدون في شمال المغرب نظرا لقوة وتنوع هذه القنوات مقارنة بقناة الاولى المغربية التي كانت ضعيفة جودة ومنتوجا، كما يحدث الحال نفسه الان، إذ يهجر المغاربة قنواتهم العمومية الضعيفة المنتوج، إلى قنوات أخرى عربية وعالمية تتفوق على المغربية بما تفوقت به القنوات الاسبانية بالأمس.