بقلم الأستاذ: حسن بنونة.
من أول وهلة يتبين من العنوان أن الشاعرة تعطي صورة سوداوية على موضوعها بالتلميح إلى تيمة الموت القريب عبر سكراته المضمنة في كلمة “احتضار” والتي تجاوزها بالعنوان كلمة “قصيدة”، هذه الأخيرة تحيلنا على أسئلة تتمحور حول عدة مستويات منها اللغوي و الدلالي والبلاغي واليت تصيغها عبر الأسئلة التالية: من هي “القصيدة” المشخصة بالموت؟، هل هي الشاعرة؟ هل القصيدة الشعرية ابداعا و نصا ؟ هل هي نهاية للشعر أم للشاعرة أم لهما معا؟
إنه ” احتضار ” مفخم بالضاد و ممتد بالألف معبرا عن قوته وعن امتداده في الزمن للتعبير عن الألم و العذاب المستمر لتلك القصيدة ” قصيدة ” التي تتوقف صوتيا بحرفي ” الياء و الدال ” لتعلن اختناقها لتلقى حتفها مفارقة الحياة على توقف الحركة التي تترجمها هاء السكت أي الحركة الأخيرة على التاء ” قصيدة”.
عنوان مكثف تتلوه أبيات تحمل في طياتها حقلا دلاليا سوداويا عنيفا يجسد أقصى قمة الألم في خط تصاعدي (crescendo ) يمتد من الاحتضار إلى الموت ( احتضار – بالجراح – تنزف – قتيلة – شهيدة ) مأساة متوجة في النهاية بالاعتبار و الكرامة لأنها ” قصيدة ” وجدت من أجل القضية وليس العبث.
إنها قصيدة تستعصي على الفهم حيث معالمه تتجلى في الحيرة (حائرون) و عدم الاستقرار على معنى مشترك (مختلفون) وعلى الجهل (لا يعرفون) وإن اعتبروا أنفسهم (فقهاء القوافي) إشارة “للقصيدة” وبارعين في النظم فإنهم لن يتمكنوا من مقصدية “قصيدة” كشعر وشاعرة.
وسيظلون يستفهمون ( هل / أم ) حائرين لأنه ثنايا النص وما يكتنزه من جزئيات معرفية ( أوردة المعاني) باطنية لا يمكن النفوذ إليها وتفكيك رموزها وبالتالي الانزياح (L’écart ) الكلي للشاعرة و تفوقها بدون منازع و إياهم (الشعراء) بعيدين كل البعد عن استيعاب أسباب القتل أم الشهادة ( قتيلة أم شهيدة ) ليظلون في دائرة مغلقة من التساؤلات دون أجوبة و هم بدورهم يحتضرون و ينحون نحو الموت ومخرج أو مفر من النهاية المأسوية.
إن القاموس الرمزي المتراكم داخل النص بكل ما يتضمن من معان عميقة مثقلة بالرمزية و الأسلوب البلاغي المكثف يجعل من الشاعرة بشرى العذار شاعرة من شواعر الاتجاه الرمزي ( symbolisme ) بامتياز .