د. خالد الإدريسي: مرحبا ب 2419 محام و لكن …

بقلم: د. خالد الإدريسي.

بداية لابد من تقديم أحر التهاني و خالص المتمنيات لكل من حالفه الحظ و تجاوز اختبار مباراة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة بنجاح، و لكن هذه التهنئة و مشاركة الفرحة لن تلهينا عم محاولة قراءة آثار هذه المباراة و خاصة على مستوى العدد الهائل الذي أصبح بإمكانه ممارسة المهنة بعد قبول طلبه من طرف الهيئة التي سيختارها. و القراءة ستكون من خلال مقاربة مدى ما ستشكله هذه الخطوة من إضافة إلى مهنة النبلاء والشرفاء, ثم مدى اعتبار هذا الواقع الجديد يدخل في إطار سياسة ممنهجة من لدن أطراف معينة تهدف إلى إضعاف الجسم المهني للمحاماة من خلال تكريس تغييرات و تعديلات ذات طبيعة قانونية بقصد الحد و التخفيف من الدور الذي يقوم به المحامي في شتى المجالات . ومن اجل اختيار هذه التساؤلات بشكل موضوعي، يمكن التأكيد على أن ولوج هذا العدد الكبير من الأشخاص إلى مهنة المحاماة أصبح يدل دلالة واضحة لا شك فيها أن هناك هدف تسطره بعض الأجهزة من اجل إضعاف الدفاع و التأثير على دوره في مجال العدالة، و قد ثم بناء هذا الهدف على مجموعة من الإجراءات ذات التشريعية التي عملت على تقليص دور الدفاع، و الآن تكتمل هذه الإستراتيجية من خلال استهداف الجانب الهيكلي عن طريق إلحاق هذا العدد المبالغ فيه من زملائنا الجديد. ناهيك عن الصعوبات الواقعية التي تعيشها المهنة و الأزمة التي تضرب الكثير من مكاتب المحامين أدت بالبعض إلى الإغلاق ، واضطرت البعض الآخر أن يجعل من سيارته عبارة عن مكتب متنقل.

فعلى المستوى القانوني أصبح ملاحظا على أن مشاريع القوانين الجديدة التي لها ارتباط بعمل المحامي و خاصة تلك التي تنظم المساطر، جاءت بمجموعة من المقتضيات الجديدة التي حاولت إضعاف دور المحامي، و على سبيل المثال لا الحصر يمكن التذكير بما تضمنه ميثاق منظومة العدالة من مقتضيات سلبية كعدم الحسم في موضوع احتكار الدفاع من طرف المحامين و توسيع اختصاصهم خاصة أمام تضاعف عدد المحامين في العقود الأخيرة، و أيضا من خلال الأضرار باستقلالية الأجهزة المسيرة للمهنة من خلال حشر عناصر قضائية في المجالس التأديبية للمحامين . و نفس الأمر جاء به مشروع قانون المسطرة المدنية عندما أقر مبدأ عدم إلزامية الدفاع في بعض القضايا التي يقتات منها المحامين المبتدئين و البسطاء، بحيث أصبح للأشخاص المتقاضين إمكانية الترافع لصالح أنفسهم ، و هو ما سيقلص من مجال عمل المحامي بشكل سيضعف بشكل مباشر مهنة المحاماة. و أخيرا و ليس آخرا نذكر بما جاء مشروع قانون المسطرة الجنائية من مقتضيات تعارض بشكل كلي مصالح المحامين و خاصة ذلك الإجراء الذي شرعن التجسس على مكاتب المحامين بتواطؤ بين الموكلين سيئي النية و السلطات القضائية المختصة . و هذه الأمثلة فقط على سبيل المثال لا الحصر.

أما على مستوى الواقعي فإن ثبت على انه ليست هناك أرضية صلبة من اجل استقبال هذا العدد من مشاريع المحامين ، و ذلك عبر استقراء عدة مؤشرات و واقعية تثبت الأزمة التي يعيشها قطاع المحاماة، و التفاقم في الأزمة الذي سيحدثه لا محالة هذا المعطى الجديد، فأولا هناك معطى عدم نجاح إطار الشركة المدنية للمحاماة في أغلب التجارب التي حاولت تكريسها خاصة أنه كانت الإطار الوحيد الممكن أن يستوعب عدد كبير من المحامين و أن يرسخ التخصص و الجودة، و هو ما يبين على أن أهم آلية كان بإمكانها أن تخفف من أزمة العدد فاشلة و غير معول عليها .و على مستوى ثان يمكن أن نؤكد على أن تحكم ممارسات يطبعها الاحتكار و السمسرة يخل بالتوزيع العادل للملفات على المحامين و فشل مجالس الهيئات في الحد من هذه الظاهر السلبية و غير الأخلاقية، يكرس واقع الأزمة التي تعيشها المهنة . وإضافة إلى ذلك لا بد من تسجيل تطاول بعض المهن القضائية و غير القضائية على مهام المحامين، و نذكر في هذا الخصوص مهنة الكاتب العمومي الذي أصبح محاميا واقعيا لا يلزمه إلا ارتداء البذلة، و أيضا مهنة المفوضين القضائيين الذين لم يعودوا ينفذون فقط المساطر التي تدخل في إطار المختلفات، و لكنهم أصبحوا يقومون بهذه المساطر رأسا من خلال كتابتها ووضعها لدى صندوق المحكمة و انتظار الأمر المختلف و تقديم طلب تنفيذ، و في النهاية يصلون إلى المرحلة التي تجسد اختصاصهم الأصيل و هو التنفيذ . كما لا يمكن نسيان الدور الذي أصبح يقوم به العدول ليس في توثيق العقود فحسب و لكن أيضا في ممارسة المساطر الشرعية ومزاحمة المحامين في هذا الاختصاص.و هذه كلها ليس جميع ما تعانيه المهنة على المستوى الواقعي إذ أن المهنة أصبحت تعاني من اندثار ضابط من أهم ضوابطها وهي الأعراف و التقاليد وللأسف ليس هناك أي مجهود لإعادة الاعتبار لها و عدم إحياء مبادرات أيام الأعراف و التقاليد التي كانت تعرف الأجيال الجديدة القديمة بنبل وروعة هذه المهنة العتيدة . ناهيك عن عدم وجود مركز و طني للتكوين الذي لم تعرف اجرئته أي مجهود على مستوى الواقع و هو يطرح مشكل عويص على مستوى التكوين، أمام عدم كفاية الدور الذي تقوم به مجالس الهيئات في هذا المجال.

هذه إذن كلها صعوبات كان أولى من القائمون على قطاع العدالة إصلاحها و تجاوزها قبل التفكير في زيادة عدد المحامين ، لأن إدخال كل هذا العدد دفعة واحدة يشبه إلى حد كبير ذلك الرجل الذي يمتلك غرفة وحيدة و متزوج بأربع زوجات ، فإذا كان التعدد رخصة شرعية و قانونية فانه لابد من مراعاة الظروف المادية و النفسية و اللوجستية من اجل أن يقترب هذا الإجراء من العدالة، و الإ فانه سيغدو ظلم كبير . هكذا إذن لا بد من العمل على إصلاح الاختلالات القانونية و البنيوية التي تعيشها المحاماة من اجل أن تكون أكثر قابلية لاستيعاب هذا العدد الكبير من الملتحقين حتى يكون التأثير و التأثر بين المهنة و المهنيين الجدد إيجابيا و منتجا، و إلا فإن الأزمة ستزيد و الفجوة ستكبر إذا ما استمرت الدولة في عقليتها غير البريئة عن طريق معالجة آفة البطالة على حساب مهنة لا يمكن لأحد أن ينكر الأدوار الايجابية التي تقوم بها من اجل الرفع من مستوى العدالة خاصة و التنمية المستدامة عامة .

Loading...