مسرحية “وخزة wakhza” لمسرح الأفق بتطوان احتفال وانتشاء الجمهور في العرض الأول للمخرج الفنان ياسين أحجام
عرف المركز الثقافي بتطوان حضورا جماهيريا غفيرا وراقيا مساء يوم الخميس 25 يوليوز 2019 لمشاهدة العرض الأول لمسرحية “وخزة” لمؤلفها الدكتور حسن يوسفي وإخراج الفنان المبدع ياسين أحجام، في إطار معاينة اللجنة لعروض الإنتاج والترويج المسرحي المدعمة من طرف وزارة الثقافة والاتصال قطاع الثقافة موسم 2019.
فهذا العمل المسرحي الجديد المقدم من طرف فرقة مسرح الأفق يأتي بعد عدد كبير من العروض المسرحية التي أنتجتها الفرقة خلال مدة تزيد عن 20 سنة من العطاء والفعل الفني والنضال المسرحي المتواصل منذ تأسيها سنة 1997 إلى حد الآن، أخرها مسرحية “بريسا” لمخرجها الفنان علي البوهالي المستفيد من دعم الجولات المسرحية من طرف وزارة الثقافة موسم 2018، وقبلها ”بيك نيك” للمخرج الفنان طارق الشاط المدعم مع طرف المسرح الوطني محمد الخامس موسم 2017 بالإضافة إلى عدد من العروض المسرحية العديدة والمختلفة يزيد عددها عن 30 عرض مسرحي تتسم أغلبها بالمسرح التجريبي والخط الفن الجاد والمتقن تم تقديمها في مسارح داخل ارض الوطني وخارجه وخاصة في دول مصر والفجيرة والجزائر وتونس ودول الخليج العربي، ولم تكتفي الفرقة فقط بإنتاج وتقديم العروض وإنما قامت بتنظيم ثلاث دورات من للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي بتطوان، كانت تهدف إلى تأسيس المسرح التجريبي بالمغرب وخاصة بجهة الشمال لكن إشكال الدعم وإنعدام الشركاء المهتمين بالشأن الثقافي بالجهة أجهز على المولود في السنوات الأولى.
فالعمل المسرحي الجديد ”وخزة” هي تجربة جديدة للفنان المخرج ياسين أحجام الذي يعرف دائما بغوصه الشديد في كل تجربة تجربة بالانكباب والبحث ثم استخراج وابتكار أساليب ووسائل فنية جديدة ومركبة حتى يقدم فرجة المسرحية جديدة ومغايرة عن سابقاتها وليحقق الإبهار والاستمتاع والتشويق للجمهور ولتكون كل تجربة فريدة ومتجددة وقائمة بذاتها، فهو لا يكتفي بالقراءة العادية للعرض وإنما يغامر بوضع قراءات فنية مغايرة ليتمكن من كشف التيمات ما وراء النص ومشاهده وكذا كشف العلاقات العميقة بين شخوصه، ليشتتها ويعيد تركيبها في معادلة فنية جميلة تحترم مضمون النص كما ترقى بالمشاهد لدرجة المتعة والإبهار، فأعمل المخرج ياسين أحجام المتميز لخير دليل، من بين هذه التجارب : بلا متسول، الرحيق الأخير، نادي الشمس، العريس، غجر نتصف الليل، حدائق لوركا، مذكرات شيطانية …
فعرض مسرحية ”وخزة” هو امتداد لتاريخ الفرقة بقيادة الفنان المتألق ياسين أحجام، وقد أحبت الفرقة أولا الاحتفال بالأديب والكاتب كمبدع ومناضل في المجتمع، في سياق الحادثة مؤلمة التي هزت مدينة تطوان قبل شهور قليلة في مهرجان عيد الكتاب حيث تسببت حداثة الفاجعة نتيجة الصعقة الكهربائية في وفاة المرحوم الشاعر”محسن أخريف”، بالإضافة إلى عدة شخصيات أدبية وفنية رحلوا عنا إلى دار البقاء وتوقفت سيلات إبداعاتهم في زمن قلوا فيه الأدباء والمفكرين والمبدعون الحقيقيون، تاركين فراغا واسعها، فجاء النص المسرحي للمؤلف الدكتور حسن يوسفي في نفس السياق إذ يصور من خلاله شخصية محمود الكاتب بطل مسرحيته الذي يعاني مرض خبيث أرقد بين الحياة والموت وبين فكرة استمراره وتوقفه عن الكتابة كما صور من خلاله قيمة الكاتب في علاقاته بالحياة، والأكيد جدا أنه حتى المؤلف بدوره كتب هذا النص كرثاء في سياق حالة أليمة مست الكاتب أو حالة معينة، لهذا فالفرقة اختارت واقتنعت برسالتها ودخلت في تحدي بداية الفعل بالإقامة الفنية والإنتاج من مالها حتى قبل توصلها بالدفعة الأولى من الدعم من طرف وزارة الثقافة، وذلك إيمانا منها بالعشق للمسرح، وتهربا من زحم تضارب الالتزامات بين العناصر الفنية لهذا العرض والعروض الفرق الأخرى ليكون عملا فنيا فريدا ينضج على مهل وبعشق فني. لهذا سهر الفريق على الانسجام والانطلاقة بشكل جماعي في شكل ورشات فنية بقيادة المخرج الفنان ياسين أحجام الى جانب فريق عمل متميز متكون من الفنانون، الممثلون: عبد السلام الصحراوي الذي كرم في المهرجان الوطني للمسرح بتطوان الدورة 19 من طرف وزارة الثقافة وخديجة زروال الفائزة بجائزة أحسن تشخيص إناث في نفس المهرجان، وبثينة اليعكوبي وطارق الشاذ وهشام عبو، والطاقم التقني ونجيب عبو، ومحمد صالح، والسينوغراف رشيد الخطابي المتوج بجاهزة أحسن سينوغرافيا في نفس المهرجان كذلك، وحميد العلوي في تصميم الملابس، وأمينة باحيدة في ماكياج.
فالعرض الأول لمسرحية ”وخزة” شكل حدثا فنيا وإعلاميا بالمدينة فقد لقي إقبالا جماهيريا غفيرا ملئ قاعة المسرح على آخره في عرضه الأول رغم فترة الصيف والانشغالات، فهذا الاقبال لم يكن من قبيل الصدفة وإنما نتيجة للانتظار والمعرفة المسبقة بجمالية العمل المسرحي وبالتالي مشاهدة هذه المغامرة الجديدة لفرقة مسرح الأفق من خلال هذا التوليف الجميل من الطاقم الفني والتقني والإداري، فلما انطلاق العرض أيقن الجمهور أنه أمام فرجة فنية وجمالية جديدة بعيدة عن المألوف والمتداول مما جعله يدخل في رحلة المشاهدة بالصمت والترقب ومحاولة ربط الأفكار والصور المسرحية المتدفقة صاحبتها دخول وخروج الشخصيات من مختلف الجوانب وبشكل حركي مفعم ومفرط بالنشاط والحيوية تارة، وثارة أخرى نرى مشاهد تمر على مهل وثبات وكأنها تخاف أن تنكسر، مع مصاحبتها للألوان الأنيقة الفاتحة في مزيج مع الألوان الدافئة (الأحمر، الأزرق، الأسود، الأصفر الذهبي) وكأنها تخبر بعدم الاستقرار وبداية رحلة المعاناة أو الاحتفال، فعرف المشاهد أنه أمام سريالية مسرحية جديدة في التجربة تحاول الكشف بعمق معاناة حياة كاتب محمود مع مرض خبيث أرقده في غرفة بالمستشفي بين الحياة والموت جعله هذا المرض يدخل في دوامة درامية لا منهية من الأفكار والصور الفنتازية نتيجة تأثره الشديد في نفسيته بردود كل ما يجري حوله وحول مصيره ، بينما باقي الشخوص بالمسرحية وبعض المواقف والصور التعبيرية تظهر لتكشف بعضا من تلك الردود والتفاعل مع مرض الكاتب وتطل بالمشاهد على العالم الخارجي (الأصدقاء، الزملاء، الصحافة، الحب القديم، الحب الجديد، المتطفلون …) ومن هنا تنطلق المشاهد بالهزل والجد ثارة وبالحركات الكولغرافية والموسيقى الحيوية ثارة أخرى، في رحلة لتكشف لنا كيف أن المرض الخبيث في حياة الكتاب أو الشخصيات العامة تصير مادة تجارية للكسب عن طريق البيع والشراء بآلام الغير، كما أنها قد تكون فرصة للانتقام أو التشفي بسبب علاقة او خلاف قديم، أو فرصة للتسامح والتعبير عن الحب والصدق، أو فرصة لبناء علاقة جديدة بعد أن تتعرى الأحداث وتنكشف العلاقات، كل هذه المعانات في نفسية وذهن المريض قد تجعل منه يتصور العالم بشكل خيالي وسريالي وخارج الواقع، فالمخرج اختار الاختلاف في الشخصيات سواء من حيث السن والأداء والإلقاء والحركة، أو من حيث بناء وتصوير المشاهد الفردية والثنائية والجماعية لخلق نوع من الفرجة مع استعمال جمالية الصورة السينوغرافية سواء من حيث اختيار الألوان الملابس والإضاءة وأشكال الديكور والمجسمات من حيث خلق فضاءات مختلفة في كل مرة باستعمال الديكور المرن والأنيق استطاع بالمرونة إظهار تعدد الفضاءات والزمكانية من الداخل والخارج كما ساهم بقوة في بلورة الأحداث والحالات النفسية لتدوب كل العناصر في المشاهد من البداية إلى النهاية، والجميل في العرض هو أن مشاهد العرض لا تسير بشكل متقدم وإنما تتناقل بين الحاضر والماضي والمستقبل باستعمال تقنية الفلاش باك والفلاش باك المضاعف، لكن في النهاية ينذرنا العرض في رسالة قوية بعد أن خرج الكتاب محمود من محنة المرض باستفهام على شكل احتجاج صارخ بسبب الأثر والألم ضل وخزة في قبله، كيف يمكن أن ينشر خبر موت إنسان وهو لا زال حيا والروح تتنفس في جسده، وهل سيعود الكاتب إلى الكتابة كما كان، هل سيعشق؟ هل سيحب؟.
ويرى البعض أن هذا العرض يجب تقديمه في مختلف المسارح والملتقيات إلى أبعد حد لمشاهدة هذه التجربة الجميلة سواء داخل ارض الوطن أو خارجه. كما تستعد الفرقة لجولة وطنية في إطار وفائها بالتزاماتها في دفتر التحملات ودعت الجماعات المحلية والشركاء بالمدينة والجهة إلى الدخول والمساهمة بكل جدية في ترويج وتشجيع إنجاح هذا العمل المسرحي ليكون في المستوى المطلوب وأكدت انها سوف لن يستطيع الاستمرار بدون هذه المساهمة. وفي ختام العرض لم تنسى الفرقة شكر كل ما ساهم في إنجاح هذا العمل الفني من المركز الثقافي بتطوان، والمديرية الإقليمية للثقافة بتطوان، وجماعة تطوان، بالإضافة إلى توجيهها الشكر لكل الحاضرين من النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية والفرق المسرحية وممثلين المؤسسات الثقافية والمجتمع المدني والمنابر الإعلامية وكل الفنانون والفاعلين.