بقلم- الأمين مشبال
لم يكن مفاجئا قرار السلطات المحلية بتطوان منع الوقفة الاحتجاجية، التي دعا إلى تنظيمها يوم الاحد 30 نوفمبر ،”ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي” ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة. فالسلطات العمومية بالمغرب، اصبحت تتوجس من مثل هاته الدعوات، إذ تعتبر أن لديها ما يكفي من المشاغل المرتبطة باحتجاجات ومطالب قطاعات مهنية مختلفة، ناهيك عن الشغب الذي يلي بعض المقابلات، والشعارات والاناشيد التي تجتاح ملاعب كرة القدم المغربية، منددة بالظلم الاجتماعي والتهميش الاقتصادي اللذين يسحقان فئات تزداد اتساعا، مما ينذر بانفجار بركان غضب الشارع العفوي والمدمر في آن.
قنبلة موقوتة
لا تقتصر المشاكل الناجمة عن ظاهرة التهريب المعاشي على الجانب الاقتصادي .فالتقارير المتداولة تشير إلى كونه يكلف خزينة الدولة المغربية زهاء 3 مليار درهم سنويا، كما أن مخاطره تمتد إلى ميادين أخرى: فمعبر باب سبتة بالنظر إلى عشرات الآلاف الذين يجتازونه يوميا، أضحى يمثل فرصة ذهبية للباحثين عن الربح السريع من خلال محاولة تهريب شتى الممنوعات، وخصوصا أنواع شتى من المخدرات القوية، التي تحقق الربح الوفير ، وتلحق أضرارا صحية ونفسية وحالات خطيرة من الإدمان وسط الشباب. من جهة أخرى، أدت مرارا حوادث التدافع الناجمة عن الازدحام والشروط اللاإنسانية في عملية العبور إلى سقوط ضحايا من النساء اللواتي يمتهن التهريب قصد تلبية الحاجيات الملحة لأسرهن، مما يسيئ إلى الصورة الحقوقية للمغرب التي تعاني الشيء الكثير خصوصا بعد الحراك الاجتماعي في الريف وقضايا أخرى ذات علاقة بحرية التعبير أو ممارسة الحريات الفردية.
بالإضافة الى كل ذلك، فإن موجة التطرف الديني وانجذاب فئات لابأس بها من الشباب السبتي لخطاب بعض الجماعات الارهابية التي تلعب على الوتر الديني والهوياتي، وتستغل انسداد الآفاق وانتشار البطالة والهامشية في صفوفه، من الطبيعي أن تكون مصدر قلق للجهات الأمنية المغربية، باعتبار أن التجارب العالمية تبرز استغلال الجماعات الارهابية لشبكات التهريب من أجل تمرير الأسلحة والأفراد.
فلقد أظهرت دراسة أنجزها المركز الملكي إلكانو Real instituto El Cano ،أن أزيد من 20 بالمائة من المحكومين في قضايا الارهاب بإسبانيا خلال الفترة المتراوحة ما بين 2013 و2016 ، ينحدرون من سبتة المحتلة، وبكون أزيد من 43 بالمائة من هؤلاء المعتقلين بدأ تطرفهم في سبتة نفسها، وهي ظاهرة لا يمكن فهمها بمعزل عن السياسة التي انتهجتها السلطات الاسبانية لمواجهة النفوذ الديني للمغرب عبر تشجيع التيارات الوهابية والجماعات الدينية الغامضة الهوية، ولم تنتبه لكونها تلعب بالنار إلا بعد فوات الأوان.
تلك العوامل مجتمعة، قد تكون وراء قرار السلطات المغربية تشديد الخناق تدريجيا منذ أزيد من سنة على التهريب من معبر باب سبتة، وأصبح الاعلان الرسمي عن القرار بمنعه مسألة شكلية ليس إلا.
أزمة البديل
كان من المفروض على الدولة منذ سنوات طويلة، السعي الحثيث لإحداث قطيعة مع الثالوث الذي ظل يحكم اقتصاد المنطقة عقودا طويلة بعد الاستقلال، المتمثل في الهجرة والاتجار في المخدرات، والتهريب، من خلال تنزيل نموذج تنموي يراعي خصوصيات المؤهلات الاقتصادية للإقليم. وإذا كان الجميع يدرك ويلمس التحولات الايجابية التي شهدتها المنطقة بعد تولي الملك محمد السادس العرش، خصوصا على مستوى البنيات التحتية، فإن تطوان تفتقر إلى مقومات النهوض الاقتصادي وفي مقدمتها الربط بالشبكة الوطنية للطريق السيار ،وبالسكك الحديدية والمطار ،مما ساهم في عدم تحقيق النهوض السياحي، وما كان مؤملا منه في خلق مناصب الشغل ليكون قاطرة التنمية الاقتصادية بالإقليم. نفس الأمر ينطبق على المشاريع الصناعية التي تتخبط مجموعة منها في مشاكل متنوعة تضعها على حافة الافلاس.
هذا الواقع القاتم الذي يرخي بظلاله على تطوان ونواحيها، يستدعي من الحكومة الانتباه للمعاناة المتنامية لشريحة واسعة من ساكنة تطوان والمراكز الحضرية المحيطة بها ( مرتيل،المضيق ،الفنيدق)،وتستمع لنبض الشارع ومطالبه، أما سياسة العصا ومنع الوقفات والتظاهرات فقد تجدي اليوم لكنها لن تنفع غدا.
وفي انتظار أن تتخذ حكومة الدكتور سعد الدين العثماني حزمة من الإجراءات العملية والعاجلة لفائدة الاقليم وساكنته، فإنه لا يسعنا إلا أن نردد الدعاء” اللهم إنا لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف.