عصابة البوز أو حينما تنعدم الأخلاق المهنية في الصحافة و المحاماة

بقلم؛ د/ خالد الإدريسي

تحتاج الحياة الإنسانية من أجل إستمرارها إضافة إلى باقي العناصر المادية إلى الكثير من الأخلاق و القيم ، لأنه من دون وجود هذا الجانب الأخلاقي و القيمي , سنصبح أقرب إلى الحيوانات حيث يأكل القوي الضعيف طبقا لنظام غريزي مادي بعيد عن الأخلاق بمبادئها المثلى ، و ما يقال عن الحياة الإنسانية بصفة عامة يمكن أن يقال عن المهن المنظمة ، ذلك أنه حينما تنعدم الأخلاق المهنية لدى بعض المهن ، فإنها تعطينا الكثير من الانحطاط و الفساد و تنبئ أنه هناك إشكال و أزمة يجب معالجتها من أجل الرجوع إلى الطريق القويم ، فلا يكفي التمتع بالحقوق التي يمنحها الانخراط في مهنة معينة ، و لكن يجب أساسا الالتزام بالواجبات القانونية و الأخلاقية التي تفرضها المسؤولية المهنية ، و التي تجعل الممارسة المهنية سليمة و ناجعة و حافظة للمكون الرمزي و الأخلاقي و القيمي للمهنة .
و تشترك الصحافة و المحاماة في الكثير من أوجه التشابه لا سيما على مستوى البحث عن الحقيقة و الدفاع عن الحق و المساهمة في ترسيخ دولة الحق و القانون ، و كلاهما يخضعان إلى قوانين تحدد حقوقهما و التزاماتها ، و أيضا يمتثلان إلى مواثيق أخلاقية تسمى في مهنة الدفاع أعراف المهنة و تقاليدها و في مهنة الصحافة أخلاقيات مهنة الصحافة . و الجانب الأخلاقياتي لهذه المهن يفرض على المنخرطين و المنتمين إليها العمل على أن تكون الممارسة المهنية بل أحيانا حتى الشخصية بعيدة عن أي شوائب قد تفقد هذه المهنتين مصداقيتهما و تعاكس رسالتهما النبيلة المؤسسة على الدفاع عن الحق و محاربة الباطل .
لكن للأسف ظهور بعض الطفيليات في الميدانين فسح المجال لظهور الكثير من الممارسات غير الأخلاقية لا سيما فيما يتعلق بالمس بالحياة الخاصة و التشهير من أجل تحقيق نسبة مشاهدات كبيرة بالنسبة للمنبر الصحافي ، و الحصول على شهرة مزيفة بالنسبة للمحامين و أشباههم التي ابتلت بهم هذه المهنة النبيلة و يساهمون في القضاء على رمزيتها يوما عن يوم . فلا تكاد تجد أي خلاف عائلي بسيط يمكنه حله حبيا و قضائيا بطريقة سلسة , إلا و تجد هذه الطفيليات قد تجيشت من أجل إعطاء حجم أكبر للموضوع و الدخول في تفاصيل الحياة الخاصة و الحميمية و نشر صور تخدش الحياء من دون احترام التزام المهنية و لا قيد الحياة الخاصة . و تجد هذه المواقع الصفراء ضالتها في بعض الأشخاص ممن ينتمون إلى مهنتنا من أجل تغدية هذه الحملات التشهيرية عن طريق الإدلاء بتصريحات تدخل في عمق تفاصيل الحياة الخاصة و في وقائع سرية لا يجوز الإدلاء بها خارج إطار الترافع في الملف أمام المحكمة ، حتى إن هؤلاء الزملاء يتكلمون في وقائع الملف و حيثياته أمام الصحافة أكثر مما يتكلمون فيها الملف أمام هيئة المحكمة ، و كل ذلك في سبيل حب الظهور و اكتساب شهرة مزيفة .
للأسف , هذا الأمر غدا ظاهرة أصبحت متكررة ، و تمت إعادتها من طرف نفس الزمرة من الزملاء الذين نتمنى لهم الهداية و الرشد في العديد من الملفات التي تثيرها هذه الصحافة من أجل الاقتيات على حساب أعراض الناس و حياتهم الخاصة ، و لاحظنا هذا الأمر بشكل متعاظم في ملف الصحافي توفيق بوعشرين ، ذلك أن هذه الزمرة من المحامين لم تكن تجد غضاضة في التذكير بأمور سرية و خاصة و حميمية أمام ميكروفونات المواقع الصفراء بشكل أضر بصورة مهنة الدفاع وضرب البعد الأخلاقي الذي يشكل أساسها و عمقها ، و كررت هذه الزمرة نفس السلوكيات المنحطة قي ملفات أخرى ، إلى أن وصلوا حاليا إلى ملف زميلينا من هيئة الدار البيضاء اللذان يعيشان مشكلا أسريا عاديا يقع في جميع العائلات و الأسر و يمكنه حله وديا أو قضائيا وفق المساطر القانونية الجاري بها العمل ، إلا أن تدخل هذه الزمرة في هذا الملف و تحويل النقاش من ردهات المحاكم إلى فضاء الصحافة ، جعل الحدث يأخذ أكثر من أبعاده الحقيقية ، و يضر بالحياة الخاصة لزميلينا المحترمين ، و يضر بصورة المحامي بصفة عامة ، لأنه تم الإيحاء على أن المحامي أو المحامية يمكن أن يطوع القانون و الأجهزة الأمنية و القضائية وفق هواه ، و هذا الأمر غير صحيح ، و سيضر بصورة مهنة الدفاع إذا ترسخ هذا المفهوم لدى المواطنين .
تكرر الأمر و أكيد انه سيتكرر مرات أخرى مادام أن المجالس المهنية محايدة و لا تتخذ أي إجراءات صارمة في حق عصابة البوز سواء من طرف المجلس الوطني للصحافة الذي يعتبر آلية رقابة ذاتية منحه القانون سلطات كبيرة للتدخل التلقائي أو بناء على شكاية من أجل الحد من الخروقات التي تقوم بها صحافة البوز و المواقع الصفراء عن طريق العقوبات التأديبية التي من الممكن أن يفرضها ، لا سيما انه انتهى قبل شهور قليلة من إعداد ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الذي فرض على الصحافيين التزام الموضوعية و تحري الحقيقة و الابتعاد عن المس بالحياة الخاصة و التشهير . أو من جهة أخرى الهيئات المهنية المتمثلة في مجالس هيئات المحامين و من النقباء الأجلاء الذين عليهم تفعيل المساطر التأديبية المنصوص عليها في قانون مهنة المحاماة و الأنظمة الداخلية , حماية لمهنة الدفاع و تحصينا لها لكل متطفل يريد أن يقتل رمزيتها و شموخها .

ملحوظة : ليس المقصود من كلمة العصابة المفهوم الجنائي للكلمة الذي يعني مجموعة منظمة من المجرمين , و لكن فقط المفهوم اللغوي الذي يعني جماعة من الناس أو الخيل أو الطير .

Loading...