بقلم ؛الزهرة حمودان –برشلونة 25 مارس 2020
وأنا في حجري حيث يغفو الوقت، ويتباطأ نفَسُه، تحاصرني نشرات الأخبار، ورسائل الواتساب.. تأسرني الحسرات في مجرّات مظلمة. أستجدي قلبي خفقة إشراقة تدحر الظلمة.
نشرات الاخبار تحرم النهار بهرجته، وتغرق الزمن في وحل موبوء.. وفي المساء يجلس الموت يحصي غلاله. ما أحقر صيتك أيها الوباء؛ سماع اسمك تتداوله الألسن لعنة. يعلن مذيع عن قطع الطرق والممرات بالشاحنات، بالعاصمة مدريد؛ حتى لا تنزل الأسر لإيداع موتاها مثواهم الأخير..ويبلغ آخر عن تخزين الجثث بملاعب التزلج الثلجية، كي لاتتحلل، في انتظار دفن مؤجل.. نشرات الأخبار عبوات ناسفة لكل سلام تشتاقه الأنفس .. تجتاح الآلام مجلسنا. ننتشر..يختلي كل واحد بهواجسه..
و في شدة الظلمة كان لابد للقمر أن يأتي..
وعملاق الوباء يتمدد فوق الرقاب، تدلت من الشرفات زنابق الفرح وهي تخرج له لسانها.. تشاكسه بمرح مشوب بوجل..تناديني ابنتي وقد التجأتُ إلى حجرتي أحتمي بكتبي..أعود إلى الصالون.. كان التلفزيون يمرر صور شرفات مدن إيطاليا وهي تصدح بالغناء..كانت سفينة القمر قد وصلت.
عدوى جميلة تتفشى..تتقلص المسافات بين الشعوب..كل كوة في جدار نطقت. ما أروع الانسان عندما يدوس على همومه، وما أسماه وهو يستبدل دموعه بسمات.
افصحت الإنسانية عن قوتها المتحدية لعشوائية دقات الموت. انتصرت البسمات الفاعلة، فتوهجت الشرفات، وتألقت محياها بمصابيح الزينة بكل الألوان..أبرقت الهواتف النقالة بضيائها. سموات تتلألأ فيها النجوم رغم كل الغيوم.
يعترض الفرحُ الخوفَ والحزنَ في فضاء تجلى بين الأرض والسماء، في غفلة من “كرونا”..ودون أي فرمان رسمي.. فقط نداء إنساني/ذاتي يرسم لجوهر الانسان لوحة على واجهة الشرفات بكل ألوان الجمال الروحي..
تنتصب الشرفات المحيطة بشرفتي صوامع ترتل فيها صلوات الحب..آنستْ مزاميرُها المسائية، غربتي بين فيروسين يحاصران فرحتي بأحبائي.
اندمجت مع الوصلات المسائية لشرفات الحي الذي أقيم فيه..عند كل مساء أصفق مع المصفقين، وأبتهج لتلوينات الفرح التي تملأ الفضاء..أنسى لهنيهات أني محاصرة بين فيروسين.