قصة قصيرة “التائه” ليوسف خليل السباعي

تأليف الكاتب والصحفي: يوسف خليل السباعي.

في ليلة من ليالي الخريف التقاها صدفة في مطعم “شهيوات”. لم يكن يعرف إسمها. افتتن بجمالها حد الهوس، وأكثر ما راقه فيها شعرها الأسود الحريري كالكحل.
راح عندها. وقف. طلب منها أن يجلس معها، وقبل ذلك، عرفها على إسمه: يحيى.
كانت بثينة باهرة. عيناها ساحرتان، أنفها دقيق، فمها كالذر، وشعرها… آه ياشعرها…
لم ينبسا بأي كلمة. تبادلا النظرات، أكلا الشهيوات، ثم انصرفا.

في الغد، وفي نفس الموعد تحديدا، التقيا، ومن غير كلام فائض، طلب يحيى يد بثينة للزواج، وفي طرفة عين أنجبا طفلة كالقمر اختارا لها إسما لذيذا: رشيدة، لكن الغريب أن شعرها كان ذهبيا كلون الشمس.

مرت سنوات، وتبدلت الأيام والأحوال، وصعدت حكومة جديدة، وتفاقمت الأسعار، واختنق الناس بالزيادات، وخرجت مظاهرات واحتجاجات، وغدت الشوارع جحيما، لكن رشيدة لم تكبر، بقيت طفلة… تجري وتلعب وتضحك وتفرح. لم تشعر أبدا بمن حولها، ولم تفهم، أو تسأل عن أبيها يحيى الذي هجر أمها ونام في حضن امرأة أخرى. كانت تحس بألم غياب الأب، إلا أنها كانت تفضل الصمت.
كانت المرأة الأخرى: خديجة، التي تزوج بها يحيى حاملا… على وشك الولادة… ولم تنجب إلا بمشقة طفلا برأس كبير.كانت قسماته بيضاء كالقمر، اختارا له إسم: إبراهيم… لم يكن إبراهيم يعرف رشيدة، وهي لم تكن تعرفه، لكن إبراهيم لم يكبر، بقي طفلا برغم مرور السنوات، وحدة الأوضاع، وتزايد اللصوص، وانتشار المخدرات، واغتصاب النساء والأطفال، وصعود نجم المثليين، والإكثار من العاهرات، والقوادين والقوادات، والطفيلين الطفيليات، والنصابين والنصابات، وغيرهم، كأنما هو حكم مكتوب.
في يوم من أيام الربيع، علم أيوب أن خديجة أنجبت طفلا، فراح يسأل عن إبراهيم. التقى بيحيى. قال له: إبراهيم إبني. أثبتت الخبرة الطبية أن إبراهيم إبن أيوب.
طار عقل يحيى.

كانت خديجة حاملا بطفل ثاني. عندما أنجبته. كان بلا إسم. لم يكن إبن يحيى، لكنه كبر، وظل تائها يبحث عن أبيه الحقيقي.

Loading...