ربطة عنق سوداء في لوحة لموديغلياني

تحرير: يوسف خليل السباعي.

في هذه اللوحة لأميديو موديغلياني نجد أنفسنا أمام دال (ربطة عنق سوداء)، ربطة عنق سوداء ترتديها دونا Donna، ونحن نعرف أن أغلب لوحات موديغلياني عن المرأة، ومن خلال مشاهدتنا لأعماله الفنية لاحظنا أن المرأة تأخذ الحيز الأكبر، فلقد رسم حتى زوجته جان، والحالة هذه، فإن هذا الرسام الفنان الطلائعي كان للمرأة عنده دورهام سواء في حياته، أو في عمله الفني، فإذا تأملنا جيدا هذه اللوحة:..دونا بكرافطا سوداء، على مستوى الألوان، سنلا حظ أن هناك توظيفا للألوان بشكل متناغم، ومتمازج، ومتشاكل، اللون الأسود، في ربطة العنق، وفي الشعر، والأبيض الحليبي المرمم في القميص مشوبا ببصمات لونية خضراء مفتوحة، وأحمر طفيف ( في بعض اللوحات الأخرى نجد اللون الأحمر طاغ، يجعل المرأة مهيمنة جسديا)، لكنه، أي الأحمر مرئي على مظهر الوجه: الشفتين، والخدين، مع طغيان اللون الأصفر عليه وفي خلفية اللوحة، أو خلف دونا ألوان خضراء على شكل بصمات أو خطوط تحاصر دونا من الجانبين كمالو أنها ظلال.

وإذن، كل هذا، ليركز موديغلياني ليس على ملبس دونا، فالملبس دال، صورة عن عصر موديغلياني، ولكن على اعتبار ربطة العنق السوداء ليست شيئا تزيينيا للمرأة، وإنما تطوير لمفهوم الرسم، لا حديث هنا عن التقنية، فهذه المسألة ليست هامة عند هذا الفنان، الذي كان يركز في أعماله الفنية على الإنسان- الكائن الحي ورسمه من خلال تخييل ذاتي، فلايمكن أن نرى ربطة عنق (كرافطا) في لوحة من لوحات ليوناردو دافنشي، لايمكن أن نتصور بتاتا وجود ربطة عنق في لوحة الموناليزا، بل وحتى عند الفنانين المغاربة، لن نجد في أعمالهم الفنية والتشكيلية، بخصوص رسم للمرأة لوحة لإمرأة بكرافطا. إن الأمر، عند الفنانين المغاربة إذا قام به أحدهم، سيكون مستفزا للمتلقي، الذي سيستغرب لذلك، لأن المتلقي المغربي، إذا افترضنا شاهد لوحة لفنان مغربي رسم امرأة بربطة عنق… سيفهم اللوحة بربطها بالواقعي، أو العمل الفني وفقا لربطه بالواقع، ويعتقد أن الفنان ينبغي أن ينقل الواقع، ولايكذب، ولايحور، ولايتخيل، إلى حد أن المتلقي سيقول في نفسه: لايحق لهذا الفنان أن يرسم امرأة بربطة عنق، لأنه لم يراها في الواقع، وفي هذا الوقت، قد يصاب بالذهول، بل وحتى الإحباط. من هذا المنطلق، يمكن أن نقول، ولكننا، لا نعرف إن كانت دونا: امرأة اللوحة تجمع مابين الذكوري والأنثوي، أوأنها واقعة في استلاب غرامي، فالنساء الأوربيات كن يرتدين كرافطات في ذلك الوقت، لا النساء برمتهن، ولكن دونا تختلف عنهن. إنها تنظر إلينا بعيونها إلى الداخل، نظرتها الغائمة، الملغزة، ليست نظرة فارغة، إنها تحاورنا، و لكنها متجهة نحونا: نظرة إلى الداخل، ونظرة إلى الخارج، إنها نظرة واعية تحاورنا في صمت!
في هذه اللوحة لموديغلياني تفجير لقضية الوعي.

Loading...