إبداعات “الألتراس” لم تتوقف في زمن كورونا

عن يومية العلم.

“الألتراس” ظاهرة شهدتها المدرجات الكروية، وموطنها الأصلي يربطه البعض بين أمريكا اللاتينية وأوروبا، ولم يعد يقتصر وجودها حاليا على بلد دون آخر. وفي المغرب برزت “الألتراس” في الساحة الرياضية منذ ما يقارب عقدين من الزمن، وتم تأسيس عدد من الفصائل، التي يبقى همها الأساسي هو مساندة الفريق بشتى السبل بعدما كانت بعض الجماهير المحبة لفريقها تنشط من خلال الجمعيات، الذي خفت إشعاعها في المواسم الأخيرة.

“الألتراس”، كانت لها أدوار مع بداية نشأتها في تنشيط المدرجات، وهكذا أبدعت في خلق أجواء تشجيعية لقيت إعجابا لافتا حتى من الذين لا يعشقون الكرة، وأرغمت كتابا واختصاصيين من خارج دائرة المباريات الكروية سبر أغوارها، والنبش في تاريخها، على الرغم من التحفظات، التي أحاطتها بسبب بعض مظاهرها…

لن أتحدث عن طبيعة “الألتراس” وكيف يتباين حضورها وأعدادها من مدينة إلى أخرى، وهذا يعود حسب ثقل كل فريق في الخريطة الكروية ببلادنا، وأعداد جماهيره، سواء تلك المنتمية إلى فصائل “الألتراس”، أو التي حافظت على استقلاليتها في عدم الانخراط في أي فصيل، لكنها تتشبث بعشقها للكرة، ومتابعة المباريات.

ما يهمنا ونحن نعيش زمن “كورونا”، ما تقوم به “الألتراس” في عدد من المدن المغربية، فمنذ انتشار “كوفيد 19″، لم تتأخر”الألتراس” في التحسيس والتواصل مع المواطنين بخطورة الوباء وبضرورة التزام الجميع بالإجراءات الاحترازية، التي تسهر عليها السلطات الرسمية بمختلف هياكلها لمواجهة وباء كورونا، الذي هاجم البشرية في أرواحها بسرعة لم تكن تخطر في البال، وحتمت على نصف الكرة الأرضية الدخول في حجر صحي، وقلبت موازين وحسابات ومواعيد عالمية وفي مجالات جمة، مما يدفع القول إلى أن الكون سيعرف بعد اختفاء هذا الوباء دخول عالم آخر.

لا أرغب في ذكر أسماء “الألتراس”، التي بادرت إلى كل ما يفيد الوطن في هذه اللحظة التاريخية، فهي كثيرة وموزعة عبر التراب الوطني، و بدون استثناء اصطفت “الألتراس” إلى جانب المجتمع المدتي في الأعمال الخيرية، التي تنفع الوطن وتضمد آلامه. أوجه عديدة من المبادرات، تقدمها “الألتراس” في هذه الأيام، ومنها التبرع بالمال وتموين الأسر المحتاجة بالمواد الغذائية، كما قامت بحملات من أجل التبرع بالدم، هي أشكال متنوعة سهرت “الألتراس” على إنجازها في هذه المرحلة العويصة، وللحقيقة، فإنها أنتجت صورا تستحق التقدير والإعجاب، وتصب في “المواطنة الرياضية”، فبقدرما نتذكر إبداعات “الألتراس” في المدرجات، فإنها ما فتئت تقدم هذه الأيام الصعبة ألوانا من التضامن المجتمعي سلوك ينضاف إلى ما يقوم به الواطن المغربي من أفعال إنسانية، وإن غردت ثلة قليلة خارج السرب فيما يخص التزام الحجر الصحي.

في مناسبات عديدة، اتهمت أطراف من “الألتراس” بما يحدث في بعض ملاعب الكرة من مظاهر غير مقبولة حتى لا أسميه بشغب الملاعب، تصرفات أزعجت القاصي والداني رغم أن “الألتراس” تجعل من أولوياتها تزيين مدرجات الكرة بلوحات جميلة، ولافتة النظر، وكم من مرة رفعت شعارات مساندة لقضايا وطنية وعربية، حيث كان مستوى عروضها في بعض المباريات يفوت تقنيات اللاعبين على أرضية الملعب، وفي مناسبات غير قليلة، وصلت أخبار هذه “الألتراس” خارج الحدود، لاسيما حين يلتقي قطبا الكرة الوطنية في مباريات “الديربي”، جعل من “الألتراس” المغربية تصنف في المراتب المتقدمة العالمية بفعل ما تجتهد فيه من إبداعات براقة من داخل مدرجات الملاعب.

لا أريد العودة إلى بعض المظاهر، التي عرفتها ملاعب الكرة في بعض المناسبات ، حيث شاهدنا صورا غير لائقة تحدث في ملاعب مخصصة للتنافس الرياضى أولا وأخيرا، هي مشاهد يمكن اعتبارها من الماضي، الصور الحالية مشرقة، وناصعة البياض، فتعدد أشكال المبادرات الإنسانية، التي تبنتها “الألتراس” في زمن كورونا، هي التي نريد أن تستمر وتؤثث فضاءنا الرياضي.

وإذا كان الحديث أننا بصدد لمرحلة جديدة بعد أن يتجاوز الجميع هذه الأزمة الصحية، فإن انخراط “الألتراس” في دعم المواطنين المعوزين، وغيرها من أشكال المساعدة من شأنه التأسيس لتاريخ جديد للمنخرطين في فصائل “الألتراس” وقطيعة نهائية مع ما قد يعكر هذه الأجواء المحمودة، التي لم تفوت “الألتراس” الفرصة في أن تكون شريكا فاعلا في مواجهة فيروس “كورونا”، إنه الحس الوطني في أكبر تجلياته.

Loading...