رواية الشرفة ليوسف خليل السباعي (تابع)

يوسف خليل السباعي

كيف لي أن أعرف؟…
لاشيء سأعرفه سوى حبات كلمات. ولكن هذا الغموض كان ساحرا، ويتجلى في عيونها اللامعة. ننظر سويا إلى البحر… كان القمر يرسل خيوطه المضاءة على البحر. وبعد هنيهة، اختفينا.

في مقهى غويا، نحتسي كوبين من القهوة والحليب. آه… هنا شكل آخر من التلاقي. كان حبنا يكتسي طعما نادرا. رجيف قلبي يعكس صفاء وجهي، ورجيف قلبها يعكس صفاء وجهها. ننتهي من احتساء القهوة، ونخرج.
الوحدة تأسرني، القلق، كيف لي أن أتخلص منهما؟…

وحيدا في المنزل، ملاذي الوحيد هو الكتب، والنافذة. أفتح النافذة، الرجل في الشرفة. من يكون؟!… شيء يبعث على الحيرة. حيرته هي حيرتي… لكنني مختلف، وهذا الاختلاف هو الذي يصعب إدراكه، اختلاف غير قابل للاختزال.

يدخل الرجل إلى منزله وهو يحرك بيديه كرسيه المتحرك، أراه من بعيد، فيخيل إلي أنني واقف أمامه أسأله: ماذا تخفي عني؟… أريد أن أعرف من أنت؟…

كان الصمم يرتد إلي كجواب، يضاعف حيرتي، ويجعلني تائها. أغلق النافذة، وأعود إلى دخينة كولواز، وأفكر في سناء.

تذكرت صباح أحد الأيام في شاطئ مرتيل. بعد تناولنا لإفطار طيب نزلنا إلى الشاطئ. كان فارغا، وكانت الشمس تلهب أحاسيسنا الوقادة، فتولد ابتسامة ساخنة من شفتاها، فيأتي البحر إلينا مفضالا كأنه يحضننا.
عدت إلى النافذة، لم يكن الرجل موجودا في الشرفة.
لقد اختفى…

في غياب سناء، كنت أستشعر حضورها. كانت تمكث في غور تفكيري وتمتلك إحساسي… كان يروقني طعامها المطبوخ، وما يروقني أكثر ابتسامتها.

يتبع

Loading...