يوسف خليل السباعي
في زمن مضى، عشناه بكل أفراحه وأحزانه، كان العمل الصحفي مثقل بالحركة، وكان الجهد الذي أبذله لايعرفه الجميع حتى هيئة التحرير التي أعمل معها كمراسل جريدة العلم، لأنها، أي الهيئة، لاتعرف كيف تم إنجاز الحوار الصحفي أو الوصول إلى إجراء حوار مع هذا الفنان أو ذاك، بمعنى أنها لاتعرف كيف وصل إليها ذاك المكتوب. كان عمل “المسؤولين” في الجريدة عند وصول المظروف- المكتوب فض الظرف وتوزيعه بعد القراءة لكاتبات لتبدأ عملية الرقن على الحاسوب، وتصحيحه بعد الكتابة، ثم العبور إلى التقطيع والتصفيف في الصفحة المعهودة، ثم الرمي بكل ذلك، ترتيبا، لآلة الطباعة، في انتظار خروج- صدور الجريدة وإرسالها للتوزيع، ففي ذلك الوقت كانت عملية الكتابة عندي تتم بالقلم والورقة البيضاء التي تصبح، بعد الانتهاء من الكتابة، مسودة أو مزرقة، حسب القلم الذي أكتب به، وحشي المادة المكتوبة في مظروف وقطع مسافات على الرجلين حتى الوصول إلى سابريس، وتلك حكاية أخرى سأحكيها لكم في هذه الحلقات الصحفية النابعة من ذاكرتي. إن الأمر لايتطلب إجراء حوار، ثم الفرار إلى الراحة. كنت أشتغل بيدي، بخط اليد، وهذا يتطلب عملية رياضة الأصابع وجهد عضلي، لايتعلق الأمر برياضة الأصابع التي تعرفونها المتعلقة بالسرقة، وإنما بمكتوب، بعمل يدوي وذهني أيضا. فالحوار يبدأ عاديا عند موافقة الفنان على إجراء الحوار، ولكن بشرط أن يعرف الخط التحريري وتوجه الجريدة ، والواقع أن جريدة ” العلم، كمؤسسة صحفية قوية في ذلك الوقت، التي كنت أعمل مراسلا صحفيا لها، ويديرها عبد الكريم غلاب ويرأس تحريرها عبد الجبار السحيمي، ويوجد في هيئة تحريرها نجيب خداري ومحمد بشكار، ليس سهلا أن تمرر فيها مراسلة عادية، أو حوار لايحوي شروطا صحفية و محاورا له قيمة فنية، ولهذا كنت حريصا على محاورة فنانين في المستوى، وبالتالي، العمل على صياغة مادتي الصحفية بأسلوب صحفي ملائم وتصحيحه وتنقيحه ومراجعته، وفي هذا الجانب، أنجزت العديد من الحوارات، نشرت بأتمها. ومن بين الفنانين الذين التقيت بهم الفنان والممثل المصري عبد العزيز مخيون في أحد الفنادق بمدينة المضيق والتي لاتبعد عن مدينة تطوان إلا ببضع كيلومترات، وكان حضر إلى تطوان صحبة فرقة مسرحية، والمشاركة بعرض مسرحي، ومن بين الممثلين المصريين المشاركين كانت الفنان والممثلة سميحة أيوب والفنان والممثل فاروق الفيشاوي رحمة الله عليه، وفي حقيقة الأمر كنت سأجري الحوار مع فاروق الفيشاوي، إلا أن هذا الأخير أعتذر لي بذكاء، ولم يكن متكبرا كما اعتقدت في أول الأمر، ولكن كان يتكلم في الهاتف مع شخص، فما كان لي إلا أن أجريت حوارا مع الفنان والممثل عبد العزيز مخيون الذي كنت أعرفه من خلال أدواره السينمائية والدرامية، وكان ممثلا يشد الانتباه إليه بعقلانية، لأنه يلعب أدوارا مختارة بدقة وبعناية، (أتكلم عن الأدوار التي شاهدتها له في السينما تحديدا)، ولكن، من حسن الحظ أن هذا الممثل المقتدر وافق للتو على إجراء الحوار بمجرد أن قدمت له نفسي وصفتي الصحفية، فرحب بي بكل لطف، وبابتسامته المعهودة، وبذكاء أيضا، كما أنه من حسن الحظ كنت أحمل معي عددا من جريدة “العلم”، التي أخذ يتصفحها بعناية تامة( أنظر الصورة)، وكنت أرتدي قميصا هو ذاته على شكل جريدة- ثوب، وهذا كان فقط يتعلق بذوق في اختيار اللباس في ذلك الوقت، وهو أمر شخصي، وكما هو معروف، فإن عبد العزيز مخيون كما كتب عنه ممثل مصري أصيل وأحد أيقونات الدراما في مصر، فالكل يتذكر من خلاله (ليالي الحلمية) و (همام شيخ العرب) ودور أبي طالب في مسلسل (عمر)، وغيرها من الأعمال حتى اليوم،
وهو واحد من أفضل من اتقنوا التحدث بالعربيه الفصحى”، فهو ممثل عظيم وإنسان رائع على المستوى الإنساني، وله أدوار سينمائية علامة في تاريخ السينما، بلامجاملة، وهذا الجانب الإنساني والثقافي لمسته من خلال الحوار الذي أجريته معه والذي نشر في جريدة ” العلم”.