يوسف خليل السباعي
… وفي هذه اللحظة المرعبة تذكرت الرجل الصامت، الغامض، رجل النظارة السوداء الذي اختفى، أو انحشر في الظلام. قلت في سري:” هذا الرجل قد يخفي أسراره في صندوق!”. ومن هذا التفكير المحير، مع أن الحيرة بأمر الرجل الغامض كانت تسكنني على الدوام قررت أن أجد طريقة للدخول إلى منزله. غير أنني عدلت عن التفكير في ذلك الأمر الآن وأجلته إلى وقت آخر.
لم أفكر قط في فتح النافذة والنظر إلى الشرفة، التي كانت، كما تخيلتها، مع أنني لا أعرف ما يوجد خلفها، كبوابة مغارة ” ساحرة!”.
شيء غريب يحدث لي مع سحر هذه الشرفة، وهذا الرجل الغامض، الذي عندما رأيته تمظهر لي كما لو أنه رجل معطوب، أو خارج للتو من حرب مميتة!
رجل مقعد على ما أظن…
كرسيه ملاذه. ربما، يحمل ماضيه برمته في قلبه، في ذاكرته، في قفصه أو صندوقه الذي يخفيه في ظلام منزله.
لا أدري لماذا تلاحقني فكرة الصندوق هذه باستمرار؟!… ولعلها تحاصرني!… لا أدري… شيء يبعث على الدهشة، أو الحيرة. إنني أتمزق لأعرف أسراره.
أضناني التفكير ولم أشغل بالي بسناء. لكنها ماثلة فيه.
كانت كتبي مبعثرة في محيط غرفة نومي، التي لاتماثل أي غرفة نوم أخرى. غرفة غريبة لمن لم يشاهدها. لاوجود لسرير، أو…، فقط، هناك، جدران مصبوغة باللون الأبيض وأغطية ملتفة على بعضها البعض مبسوطة على الأرض. وعلى هذا البساط الأرضي كانت تلفي سناء متعتها عندما تنام قريرة العين كطفلة وديعة، مسالمة قبل أن تكون قد جالت ببصرها في محيط غرفة النوم. لم تكن هذه الغرفة البئيسة تماثل غرفة نوم سناء التي كانت تحوي سريرا ناعما وغطاءا دافئا، وتلفازا، تذكرت لم يكن لدي تلفاز، وعطور شانيل وديورا وكريمات ملونة لاتحصى، ومجوهرات وأشياء أخرى.
اتجهت صوب المطبخ. تناولت ملعقة كبيرة من ( قارورة) الزنجبيل، وبرغم العطش المؤلم، الذي شعرت به، لم تندلق إلى فمي قطرة ماء واحدة!… كنت أرغب في القراءة، لكن النوم استبد بي. ألقيت نظرة على كتاب ( رسالة ابن فضلان)، ثم أجلت قراءته إلى الغد.
في الصباح، لم أتناول إفطاري. كان ولعي بقراءة هذه الرسالة_ الرحلة لا يوصف. رسالة صنفها ابن فضلان في وصف رحلته إلى بلاد الترك والبلغار والروس والخزر. قرأتها حتى آخر سطر… وتعجبت من أفعال وعوائد أولئك القوم في ذلك الزمن البعيد الغور.
يتبع