يوسف خليل السباعي
7- قالت صباح:” سناء لم تكن لها دراية بالخياطة، ولا ببيع اللباس، أو أي شيء آخر. لم تكن حاذقة في أي شيء. كانت طفيلية، ترغب في الشهرة، أن تصبح “مصممة” أزياء مثلي.
كانت في كل مرة تحاول تصميم” قفطان” أو “فستان_ ملبس” تفشل. كانت سناء تشتغل هذه الحرفة_ الخياطة لتلميع صورتها وإسمها الذي لم يكن معروفا على الإطلاق، فلم يتحقق لها شيء من ذلك. عندما كنت أشارك في عرض للأزياء، وأنجح، كانت تتهمني أمام الجميع بأنني سرقت “تصميماتهاا!” بسبب غيرتها، ولم تقف عند هذا الحد، بل زرعت بذور الحقد والكره في شركائنا ومعارفنا. لم تدعها أنانيتها ورعونتها الحمقاء المتعالية كجبل الموج أن تقيم وزنا للعشرة وصداقة الطفولة البئيسة، ومهما حاولت تلطيف أجواء الصداقة بيننا، تزداد هي في إهانتي وتحطيمي واحتقاري، ما جعلني أنزعج من تصرفاتها غير محتملة كل ماتفعله. عندما علمت بعلاقتكما، التي استمرت أزيد من عامين، قررت مع ذاتي الانتقام منها وكشف حقيقتها لك”.
كانت سناء مولعة بنفسها حد الإستحالة. لم تكن تقيم منزلة لحبي لها، أو كما أفهم وقوعي في حبها برغم أنها كانت تقول لي، غيرمامرة ، إنها” تحبني!”، لكن عندما كشفت لي صباح “حقيقتها!” قررت تبديل تصرفاتي معها.
قالت صباح_ وهي تتحسس بيدها اليسرى شعرها البني_، إن سناء كانت” تعض اليد الممدودة إليها التي تعاونها، ولم تكن” تقيم وزنا لمواصلاتها السابقة التي لاتستمر على الإطلاق. تركت زوجها بعد طلبها للطلاق، ولم تحيا حياة مستقرة حتى بعد أن صعدت من الأسفل إلى الأعلى، فهي كانت فقيرة، ثم غدت ثرية، أو، شبه ثرية. لقد حطمت قلوبا بلا حصر. حطمت كل من كان يقترب منها، ومن دائرتها. كانت خائفة من أمر ما، لا أحد كان يعرف جوهره، وبقي سرا.. لم تبح به لأحد!”.
صباح لم تعرف_ ربما_ أن سناء لم تتأقلم في حياتها مع محيطها الجديد بعد أن كانت قد غابت عنه لمدة طويلة، أو ليس غريبا أنها كانت تريد أن تتخلص منه ودفنه في مقبرة النسيان. المحيط الذي بدا غريبا عنها. لقد عاشت لأكثر من عشرين عاما في مالقا، وكل ماوصلت إليه من ثراء أو شبه ثراء لم يمكنها من نسيان ما تحملته من معاناة في طفولتها في المغارة_المنكوبة.
8- لما علمت سناء أنني التقيت بنسرية المالقية وصباح قررت تبديل تصرفاتها معي. لكنني كنت قد سبقتها للأمر.
وفي اللحظة ذاتها تذكرت مافعلته بمانويلا. قلت في سري، متسائلا:” لماذا لم ترغب سناء في الحديث معي عن مانويلا؟!… أي سر كانت تخبأه في صدرها؟!…، لم يكن الأمر يشغل ذهني كثيرا، ولكن هذا لم يكن يمنعني من التساؤل وطرح السؤال على ذاتي، ولكن ذاك الشيطان كان يقولي: “أنت ذاتك لاتعرف مانويلا”. قلت في سري: “معه الحق!…، إنني، حقيقة، لا أعرف مانويلا، كل ما أعرفه نثار من قصة أصبحت قديمة بالنسبة إلي، سردتها ذات يوم سناء”. فكرت: “من الممكن أن مانويلا لم توجد قط، وأن وجودها لم يكن إلا في رأس سناء، أو من فورة مخيلتها”.
أعرف أن سناء كاذبة. ولا أكذب، مع أنني لست متأكدا من ذلك، أن فكرة الرواح إلى سبتة راودتني مرارا بحثا عن مانويلا، قد ألتقي بها في شوارعها وأزقتها وحواريها، بل وحتى في السنطرو، قد تكون هناك، وقد أقتحم حتى مغاراتها، غير أن عين الأمر سيجعلني مجنونا. لا أدري، حقا، لماذا أصبحت قصة مانويلا_ تاجرة اللباس في مالقا_ هامة إلى هذا الحد؟!…، هل هي موجودة حقا، أم هي كائن من ورق خلقته أو اختلقته سناء من فورة مخيلتها لغاية في نفس يعقوب، أو لتخبأ سرا من أسرارها؟!… أين هي الحقيقة في كل هذا يا ألله؟!.
آه…الحقيقة… سراب… تيه…، إنني ، بلا عقل، ألفي نفسي ضائعا في صحراء لانهائية… في فراغ شاسع، يستبد بي العطش، وليس في الصحراء ماء… أنا التائه في صحراء يتيمة، يباس… يباس…ويقتات مني السأم، متلفعا بلهيب الشمس، وابتسامة سناء المخادعة الساحرة.
من المرجح أن تكون سناء هي التي كتبت الورقة الممزقة، وليس مانويلا، التي لم توجد أصلا. استفهامات تحيط بي من كل جانب على شكل رسوم، ولا جواب… لاشيء.
مانويلا، في الحقيقة، لم تكن إلا من اختراعات سناء.
سناء كاذبة.
يتبع