يوسف خليل السباعي
فيما مضى كان العشاق يكتبون رسائلهم بالريشة أو القلم على الأوراق، وكان من الممكن أن تشم رائحة الحبر، ونفس العشيقة أو العشيق في الرسالة المكتوبة، وتلمس بيديك الورقة… أما الآن فلم يعد التواصل بين العشاق يتم عن طريق كتابة الرسائل بالطريقة السالفة الذكر، بل أصبح الحاسوب والهاتف النقال وغيرهما يقوم بهذه المهمة، فتغدو الرسالة باردة، وناقصة، ولا أعتقد أنها من الممكن أن تعبر عن المشاعر الحقيقية، التي قد تعبر عنها رسالة مكتوبة بالحبر أو القلم عن طريق خط اليد.
لقد أصبحنا نفتقد إلى حرارة رسائل الحب الحقيقية المكتوبة باليد. إن الكتابة على الأوراق تبعث على المتعة، وهكذا كنت أشتغل في الصحافة، في جريدة العلم بالخصوص، أكتب “رسائل!”، وأضعها في مظروف، ثم أجملها في يدي حتى تسليمها لسابريس، وهذا موضوع سأعود إليه فيمابعد، حيث تتحول اليد فيها، عن طريق الحركة، إلى عاشقة هي الأخرى، كما لو أنها تلامس برقة وعذوبة جسد العشيقة. أما عن طريق الحاسوب والهاتف النقال، فإن اليد التي تكتب، ومن خلال النقر بالأصابع على لوحة الحروف والأرقام، تقوم بضربات شأنها شأن ضربات الملاكمة. إنها حركة سريعة، عنيفة، وقاتلة، وباردة، أيضا.
وإذا كانت الرسائل المكتوبة بخط اليد تتطلب الوقت والانتقال بوسائط تقليدية، كالبريد مثلا، والانتظار، والتأمل، مستدعية الخيال، فإن الرسائل المكتوبة عن طريق الحاسوب والهاتف النقال تصل بسرعة البرق، فيحدث التواصل في الآن. إن الرسائل الثانية تستدعي اللحظة والآنية، في حين تستدعي الأولى البطء، والتأني.
ففي اللحظة التي يكتب فيها العشيق رسالة إلى عشيقته عن طريق خط اليد، لا يضع نصب أعينه سوى قلبه، أما في عملية النقر على لوحة الحروف والأرقام الخاصة بالحاسوب، فإنه يتحول هو نفسه، إذا صح التعبير، إلى آلة…
كثيرا ما أحن أنا نفسي إلى الكتابة بخط اليد. كنت، حقيقة، أجد متعة في ذلك، لكنني مع كل ذلك أبقى حبيس الكتابة على الحاسوب والهاتف النقال. فكيف يمكن لي العودة إلى الكتابة بخط اليد؟… إنه أمر صعب للغاية. لكنني لا أنكر أنني كتبت معظم فصول روايتي الأولى “ناتاليا”، الصادرة عن شركة “تمودة تطوان” على الأوراق، بخط اليد، وكذلك مقالاتي الصحفية لما كنت مراسلا صحفيا لجريدة “العلم”، ورسائلي الغرامية في مراحل من حياتي السابقة.