يوسف خليل السباعي
عندما أتذكر زياراتي المتكررة لمقر جريدة” العلم” الجديد بالرباط، أتذكر الصحافي والشاعر محمد بشكار الذي يشرف برصانة على القسم الثقافي لجريدة” العلم”، ومن ضمنه “العلم الثقافي”، الذي نشرت فيه بعض قصصي القصيرة بفضل محمد بشكار، أيضا، وهذا أمر لابد من ذكره. وكانت بداياتي مع “العلم” ، كما قلت، قبل أن أغدو مراسلا صحفيا لها من تطوان، بنشر ترجمات، خصوصا ماترجمته من نصوص ومقالات للكاتب الفرنسي رولان بارث، وكانت أول ترجمة لمقال لبارث بعنوان ” إجابة كافكا” في التسعينيات، كما نشرت لي “العلم الثقافي”، في ذلك الوقت، ترجمة لدراسة للناقد والباحث السيميائي والسينمائي كريستيان ميتز بعنوان ” المركبية الكبرى للفيلم السردي”، ونشر في صفحة كاملة. ولم يكن سبق لأحد أن قام بترجمة هذه الدراسة. مع الأسف، ضاعت مع أرشيفي الورقي الذي احترق، وهي موجودة في أرشيف الجريدة.
وما حصل شيء طريف، نشرت الدراسة المترجمة بإسم يوسف أحمد السباعي، واتصل بي عبد الجبار السحيمي رحمة الله عليه، وقال لي:” لقد أضفنا لك يايوسف أحمد حتى لايتشابه إسمك مع إسم الروائي المصري يوسف السباعي”، فأجبته ضاحكا وكنت أحترمه وأقدره جدا:” يا أستاذ، لتغير أحمد وتجعلها خليل، لأن إسم خليل عزيز على قلبي، وهو إسم والدي الخليل السباعي”، فقال لي عبد الجبار السحيمي”موافق”، على ما أذكر أوكلمة تشبهها، المهم أن كل ما نشرلي في الجريدة بعد ذلك جاء بإسم” يوسف خليل السباعي”.
لم أكن أعرف مقر جريدة ” العلم” القديم ولكنني عرفت المقر الجديد، الذي كان واسعا، ويعطي الروح للعمل الصحفي، ولكن العمل الصحفي الحقيقي، لايكون إلا في الدماغ، وليس الكراسي، أو المكاتب، أو أي شيء آخر، وهذا الدماغ الذي يزن بلدا هو دماغ محمد بشكار الذي ينتج الصحافة الثقافية الحقيقية الممزوجة بشاعرية شاعر يرهف السمع جيدا لنبضات الواقع ويستدعي التخييل بلغة جلجامشية متفردة، لغة تمزج بين الكتابة الصحفية الأصيلة والحقيقية المنتقدة بحذاقة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، وبالشعرية الكثيفة المتدفقة كمياه الأنهار. بيد أن محمد بشكار في كتابة الشعر حالة خاصة، وإيقاع فريد، ولغة كثيفة متجددة.
كان محمد بشكار يستقبلني في مكتبه بجريدة “العلم” بالرباط، وأحيانا، يكون يكتب بالقلم على الورقة البيضاء، فأعتذر له، وكنت أحيانا أزعجه بمراسلاتي، ولكنه كان يرحب بلطف ومحبة ونباهة نادرا ماقد تجدها في آخرين.
وبفضله نشرت مقالاتي ونصوصي وحواراتي وقراءاتي وترجماتي، و لا أنسى طبعا كل من كان في”العلم”، في ذلك الوقت، حين كنت مراسلا صحفيا لها. وإلى الآن محمد بشكار يواصل عمله الصحفي في “العلم” بقوة، وباستحقاق، فهو يتمتع بنفس طويل في الصحافة.