تابع واقرأ نهاية الرواية:
أصدقائي الأعزاء هذه الليلة أنهي روايتي الجديدة “الشرفة” التي نشرتها الجريدة الإلكترونية “صدى تطوان” خلال منتصف شهر رمضان الكريم. شكرا جزيلا لجميع القراء الذين تابعوها على جريدتنا.
يوسف خليل السباعي
13- غادرت سناء تطوان. سافرت إلى مالقا. لم أعد أفكر فيها. بدلت رقم هاتفي واقتفيت (أثر) نجمة البحر في سبتة من شاطئ لاربيرا.
كانت هناك ،ذات صباح، واختفت كنجمة البحر، كنستها الريح، ولم يعثر لها على أثر… من وراء النافذة العالية كانت تشكل أحلامها على ورق بنفسجي وتضعها في وسادة برتقالية، ثم ترسل غيوم عيونها إلى السماء. كنت أنا هنا أقف على حافة البحر. أتأمل في صمت مرور سفن أتراحي المهاجرة. كانت الريح تخفي كل أحلامها. هذا سر من أسرار دفينة لن أكشفها لأحد. لن أبوح بها لأحد.
ربما، وهذا ممكن، كانت سناء طفلة كبيرة. هل كانت حقا تمتلك وجه طفلة كبيرة؟!. لا أحد يعرف. لم تعرف قط طعم الحنو، ولاتوهج الضوء. كانت تمشي على الماء. تخرج من حجرتها الضيقة لتلامس لهيب الشمس وتداعب الطير. وفي الليل تترقب بزوغ القمر. المدرسة. الإخوة والأخوات. الغسيل. الأواني. كرة السلة. الأصدقاء. المعجبون. العشاق. الساخرون.الليمون. كالينطي. إدارات. جامع. سور.
جاسوس. كهول. نساء. أطفال. وسادة… تتكوم على جسمها وتنام كالجنين. ترى فيما يرى النائم أباها يربت على كتفها الأيمن ويدثرها من البرد. تمر السنون، وفي ليلة يشتد فيهاالمطر يخطفها البرد، يسرقها كنجمة، فتسافر، ولما تعود، وإن كبرت، تظل، برغم كل شيء، طفلة.
14- عندما عدت إلى المنزل كانت غرفة نومي مضاءة. فكرت، متسائلا:” هل تركت النور مشتعلا أم أن الرجل الغامض دخل إلى المنزل، في غيابي، وأخذ أوراقه الصفراء، ثم اختفى؟!.
بقي أمر اختفاء الأوراق_ الأحلام لغزا. بقيت مدهوشا للحظات، غير أن ما جعلني صابرا أنني كنت على يقين كلي أن لا شيء يستقر، وأن مآل كل شيء الإمحاء والاختفاء والنسيان!
كنت متعبا، قلقا وغاضبا، فارتميت على البساط الأرضي، ونمت.
استفقت من النوم مذعورا. تذكرت حينها أنني لم أكن في منزلي. كانت سناء تغسل الأواني في المطبخ محدثة ضجيجا لم أعهده من قبل. عندما دخلت إلى المطبخ كان يرتسم على قسماتها غضب شديد، وكانت تخفي ابتسامتها الساحرة كما لو أنها تخفي عني سرا من أسرارها، غير أنني شعرت بأنها لاترغب في الكلام معي، مع أنني أعرف أنها مشغولة باللغو ، وأخبار الناس.
السمكات الصغيرة محشوة بالطحين، والمعكرونة تنزلق، وتتكوم، ويد سناء اليمنى تصب صلصة حمراء في طنجرة تحت النار، ثم تسكب قطرات من ” ناتيا”، التي تتبعثر في الطنجرة، فتزداد شهيتي للأكلة الليلية ، وبعد برهة، تأخذ السمكات الصغيرة وتضعها في مقلاة، لتعود إلى طنجرة المعكرونة التي انطبخت، ولاتنفك تطل على السمكات الصغيرة التي نضجت ولم تعد نيئة.
كنت بين الفينة والفينة أنظر بإعجاب إلى حركات سناء في المطبخ كما لو أنها لاعبة كرة مضرب، فهي لم تكن ترتدي سوى لباس رياضي يبرز مفاتنها، لكنني كنت في عين الوقت شارد الذهن، ولم يمنعني شرودي… من التفكير في علاقتنا التي دامت أكثر من عامين.
لم تنبس سناء ببنت شفة. وضعت صحنين ملأتهما بالمعكرونة مستعينة بمغرفة مشققة، ثم أخرجت السمكات الصغيرة من المقلاة ووضعتها في صحن صغير، وجلست وبدأت تأكل بالشوكة والسكين، ففعلت مثلها، ولم أتوقف عن التفكير…
وبعد برهة، قالت لي:
– ” ربما، ينقصها الملح!”.
قلت لها:
– ” لا آكل الملح؛ هذا عشاء لذيذ، إنه قد يجعلني سمينا؛ وأنا لا أحب ذلك”.
قالت بقلق:
– ” هذا العشاء هو العشاء الأخير”.
لم يكن أمامي حينئذ إلا أن أرتدي بنطلوني الأزرق وقميصي الأبيض وأفتح الباب.
لم تشعر سناء بأنني خرجت. لم أحدث رجة. هبطت الدرجات في هدوء. فتحت الباب السفلي واحتضنت الشارع.
في الطريق إلى منزلي أصابتني حيرة ودهشة ولم يعد بمقدوري التفكير، غير أنني قلت بيني وبيني:” لن أنهزم، سأصمد. وسوف أفكر حتى وإن كان تفكيري على خطأ”.
في الصباح، لا أدري لماذا تذكرت أنني قبل النوم كنت أقرأ كتابا يحكي عن آلام المسيح، وفتحت عيوني على شظايا منه عن ” العشاء الأخير”.
انتهت رواية ” الشرفة” ليلة 29 ماي 2019 بمدينة مرتيل.