يوسف خليل السباعي
كان إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في ذلك الوقت، وبعد صمت طويل، حرك ملف ” دار بريشة”، المعتقل السري، من خلال كلمته في ندوة بتطوان عنوانها ” المعتقل السري دار بريشة جزء من المشروع الوطني لحفظ الذاكرة”، حيث أكد على تحويله إلى متحف لحفظ الذاكرة.
والحقيقة، أنني لن أدخل في تفاصيل الموضوع، ذلك أن جريدة “تمودة تطوان” حضرت بطاقمها الندوة، ونشرت ملفا حولها في أحد أعدادها. ولن أتكلم عن تلك المرحلة من تاريخنا التي كانت فيها الدار المذكورة مسرحا للاعتقال والتعذيب والقتل، لأن هناك كتابات جمة في الموضوع، رغم ما يكتنف المرحلة التاريخية المذكورة من أسرار لم يتم استجلاؤها بعد. فعلى الرغم من الإضاءة التي سلطت على دار بريشة من خلال شهادات بعض من نجوا من هذه المجزرة، إلا أن الليل مازال يرخي سدوله على بعض الأسرار التي ماتت مع أصحابها.
والحالة هذه، وهذا ما كنت أفهمه آنذاك، أن الأمر الذي لا يختلف عليه لا المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولا أي مهتم بالموضوع، هو أن انتهاكات حصلت. كما أن هناك حقائق يمكن الكشف عنها في وقت من الأوقات، لأن الحقيقة الكاملة حول ما حدث لابد أن تظهر يوما ما. ثمة أيضا مسألة هامة لا نتوفر عليها، ويتعلق الأمر ب “الأرشيف”، فلا وجود لأرشيف منظم عندنا، أو كما يقول اليزمي هناك ” انعدام تام لمؤسسة حقيقية للأرشيف”، أو بعبارة صريحة: ” لا وجود لأي أرشيف رسمي للمغرب”. وفي هذا، في نظري، يكمن وجه الخلل، أو القصور التام لمعرفة الحقيقة الكاملة حول دار بريشة: المعتقل السري.
كان لابد لي بعد كل هذه الضجة حول دار بريشة، حيث أصبحت حديث المقاهي والشارع، وحتى عند أصحاب القرار بهذه المدينة، أن أزور. دار بريشة بدعوة من صديقي عبد الواحد البقالي وكان سبقني لذلك وزارها شخصيا، والفضل يعود لعبد الواحد البقالي (هذا لمن لا يعرف هذه القضية)، بشكل خاص، وكنا آنذاك عضوين بمكتب جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بتطوان، بعد ما علمت أن حسن الرباحي رجل الأعمال والمنعش العقاري الذي كانت في ملكيته جعلها هبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ليحولها إلى متحف لحفظ الذاكرة، وهو أمر يحسب لحسن الرباحي، بيد أن المشكل هو أن هذه الدار، التي تتكون من غرف بالطابق الأول والثاني والثالث، وتوجد بجوارها حديقة كثيفة، كما يوجد بها دهليز كان بؤرة لتعذيب المختطفين، يقطنها سكان منذ سنوات عديدة. وكان عبد الواحد البقالي يقول في ذلك الوقت:” إن أصحاب القرار بالمدينة تحركوا أخيرا لإعطاء السكان أربعة منازل بحي الصومال، تمت معاينتها، لكن ثمة أسرة خامسة بقيت بلا منزل، ستبقى مشردة”، ويضيف أنه “لابد من إنصاف السكان بطريقة عادلة”.
وبعد كل هذا نزل الستار، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.