بقلم ؛ يوسف خليل السباعي
لمقاربة حلقات “طوندونس” لحسن الفذ، التي شاهدتها، حتى الآن، في دوزيم، في رمضان، من اللائق طرح السؤال التالي: هل الفنان الكوميدي الساخر مجنون؟!… إذا لم يكن كذلك فهو ليس فنانا، على اعتبار أن الفن في جوهره يأتي من تلك المنطقة النيرانية: الجنون!.
والجنون عند حسن الفذ لعب ساخر، ولكن بماذا؟!… بالكلمات وطريقة الإلقاء المسرحي/ التمثيلي، وبحركات الوجه، والنطق، ليس المفخم، وإنما التعبيري الجسدي.
والحقيقة أن الممثل حسن الفذ يمتلك هذه الموهبة، لكن ليست الموهبة وحدها تكفي، فهناك الدراسة، ثم الاحتواء على نص منتقى بدقة عالية، وكتابة كوميدية ساخرة هادفة، ليست تلك الكوميدية التهريجية التي يكون الهدف منها الإضكاك لأجل الإضحاك فقط، وتقديم الضحك المجاني التافه الذي لايكون من ورائه أي نقذ لاذع بطريقة كوميدية لأساطير المجتمع (بالمعنى البارثي لكلمة أسطورة)، ألا نعيش اليوم أساطير شبكيات التواصل الاجتماعي واقتحام التكنولوجيا لحياتنا وكيفية استخدامها في المغرب، وماهو الأفضل فيها إلى جانب وجود الطفيليين الذين يبحثون عن البوز والشهرة المجانية، والهوائية؟!…ناهيك عن المعضلات المجتمعية المنتفخة.
لقد فطن حسن الفذ وكاتب النص والمخرج والطاقم التمثيلي لمسألة هامة جدا، وهو التكرار وكيفية كسره، الذي يجعل من أي منتوج فني منتوجا سقيما، وغير نافع. ولهذا السبب لم يكرر حسن الفذ ذاته، وتجاوز ذلك إلى أفق أرحب، نافضا عنه الغبار الذي لصق بجلباب “كبور” شخصيته النمطية، تاركا إياه ينام في “مزرعته”، وباحثا عن وجه كوميدي جديد، متلون، وتمثيلي متغير، ومجدد، هذا الوجه الكوميدي المشرق هو مايعرضه في “طوندونس” من انتقادات بليغة، وسخرية من مجتمع أصبح يباع ويشترى فيه بكل شيء بطريقة حقيرة، مع إظهاره لبعض الوجوه التمثيلية المغربية التي لم تجد من يعتني بها جيدا ويؤهلها، من دون ذكر أسماء، لتصعد معه في “طوندونس”.
والحقيقة أن الفنان الحقيقي هو الذي يعطي الفرص للمواهب الشابة لتتعلم، وتحث الخطى في هذا الحقل الفني الشاسع والصعب، أيضا.
إن مايعرضه حسن الفذ في “طوندونس” هو الجنون الفني في قماش ساخر من مجتمع معيب. ولكننا نقترب من مساحة ضوء في ” طوندونس” كونها إذ تعلن عن هذا الجنون الفني لاتفصح إلا عن حقيقة الفن والفنان، أو كما يقول الكاتب ميلان كونديرا” إن دور الفنان ليس هو أن ينسخ لنا الأشياء كماهي، بل أن يبدع فوق القماش عالما من خطوطه الخاصة، وأن تكون له مخيلة أصيلة تقارب الجنون، لأن الفن يقتبس من نبع ليس هو نبع العقل”.
وبالفعل، لقد استطاع حسن الفذ و مع كل “العاملين” بالمعنى الأدبي للكلمة، في هذه السلسلة، أن يبدع لنا، بشخصيته الجديدة التشخيصية المتعددة “طوندونس” ، على القماش عالما من تخييله وإبداعيته أقرب إلى الجنون. وفي هذا مهارته التمثيلية الأكثر خلوصا.