بعد تمضية 50 يوما وسط أربعة جدران، سيكون على الخارجين من الحجر الصحي التأقلم مع حياة اجتماعية جديدة، يشكل فيها الحفاظ على مسافة تباعد قدرها متر ونصف من شخص لآخر، إجراء صارما يتيح تجنب تفشي فيروس كورونا المستجد.
وسيكون لزاما التخلي مدى الحياة عن المصافحة بالأيدي، والتقبيل، والعناق بين الأصدقاء وأبناء العمومة والأحباء، بالنظر إلى أن منظمة الصحة العالمية كشفت مؤخرا أن الفيروس سيظل موجودا بيننا لفترة طويلة.
هكذا، فإن هذه الحرية المشروطة هي التي ستحكم الحياة المستقبلية، على الرغم من أنها تكرس البرودة وتزرع الشك في العلاقات الإنسانية، ذلك أنها تظل الطريقة الوحيدة لتجنب تكاثر حالات العدوى في غياب علاج فعال أو لقاح.
فقد تأثرت جميع مظاهر الحياة. من صالون الحلاقة، إلى المطاعم، مرورا بممارسة الرياضة والتسوق والترفيه.
فعند الحلاق أو الختصاصي في التجميل مثلا، لن يكون هناك مجال للثرثرة مرة أخرى في قاعات الانتظار. حيث أن الصالونات لن تستقبل سوى من قاموا بحجز موعدهم، كما لن تستوعب سوى عدد محدود من الزبناء، بناء على حجم المحل، مع احترام تدابير الوقاية والنظافة الجاري بها العمل.
لقد أصبح التسوق عبئا بعد أن كان ضربا من ضروب المتعة. حيث أضحى لزاما الوقوف في الطابور، وألا يكون المرء مصحوبا بشخص آخر، وقبل كل شيء، الامتناع عن لمس البضائع أو تجريب منتوج، حتى وإن قمت بمعالجة يديك عند المدخل بالسائل الهيدرو-كحولي وتم منحك الكمامة الواقية والقفازات. حتى أن بعض المتاجر أقرت نظاما لتحديد المواعيد قصد تجنب الازدحام.
أما بالنسبة للمطاعم والمقاهي، التي لا تزال مغلقة حتى إشعار آخر، يتم توضيب سيناريوهات، عند افتتاحها في يونيو على الأرجح، تهم فرض مسافة متر ونصف في ترتيب الطاولات، مع وضع حواجز من الورق المقوى أو الزجاج البلاستيكي الشفاف بين الزبناء. كما سيتم فرض وقت محدود للاستهلاك قصد إفساح المجال للزبناء الآخرين.
وعلى الشواطئ، لا مجال مرة أخرى لحمامات أشعة الشمس والنزهات. كما أن اتخاذ الأماكن الثابتة ممنوع. حتى أن بعض البلديات المتحمسة قامت بتفكيك المقاعد العمومية لمنع المشاة من الجلوس. ومن ثم، لن يسمح إلا بالسباحة، وممارسة الرياضة، وصيد الأسماك وقوفا.
ومن السمات الأخرى للحياة الاجتماعية الجديدة ارتداء الكمامة الواقية، التي كانت محظورة في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، بناء على اعتبارات ثقافية أو دينية، والذي أضحى ارتداؤها اليوم سلوكا مدنيا، بل بمثابة أمر إلزامي.
ولكونه يعد وسيلة الوقاية الأكثر نجاعة وأمانا إلى جانب باقي العادات الحاجزة الواقية، فإن ارتداء الكمامة يأجج شعور الإحباط الناجم عن التباعد الاجتماعي، بالنظر إلى أنه يحول دون رؤية تعابير الوجه، ما يجعل العلاقات البشرية أكثر برودة ومن دون معنى.
وإذا كان من الصعب استيعاب هذه التغييرات بالنسبة للأشخاص البالغين، فقد كان لها أثر الصدمة على الأطفال.
وعندما استأنفت الدراسة، يوم الاثنين الماضي، كانت الصور متشابهة والأحاسيس جياشة في كل مكان تقريبا بالبلدان الأوروبية. فقد اكتشف الأطفال عالما جديدا، حيث أضحى واجبا عليهم تحية رفاقهم من بعيد، والافتراق في الفصل، وعدم مشاطرة مائدة المقصف، ولاسيما اللعب بشكل منفرد في فضاءات الاستراحة.
هكذا، تم استدعاء أعضاء هيئة التدريس والأخصائيين النفسانيين لمد يد العون، لكن بالنسبة للأطفال، لا شيء يمكن أن يبرر هذا الجدار القاسي الذي نصب بعنف بينهم، جاعلا إياهم يركنون إلى الصمت والفردانية.
و.م.ع – صدى تطوان