الشاعوبي يفضح الواقع المجتمعي والسياسي المريض كاريكاتيريا

يوسف خليل السباعي

إن رسام الكاريكاريكاتير لاينطلق في رسمه من فراغ، وإنما من معنى، وهذا المعنى هو غزير ومحسوس، وليس ميتافيزيقي، إنه يرسم انطلاقا من رؤيته للواقع المجتمعي والسياسي في تحولاته، إلا أن الرسام الكاريكاتيري لايضحكنا فقط، وإنما هو رسام ساخر من هذا الواقع العفن، المتأزم، العبثي، والذي ينبغي السخرية منه بشكل جنوني، والعمل على فضحه من خلال رسوم كاريكاتيرية.

وفي حقيقة الأمر، إن رسام الكاريكاتير الشاعوبي بقناة “تيلي ماروك” وجريدة “الأخبار” يرتقي بعمله الفني الكاريكاتيري إلى مستوى جمالي خالب، وواضح، وعميق، من حيث الشكل الفني والجمالي الذي يقدمه من خلال خلق شخوص في أوضاع مختلفة وبتركيبة فنية راقية، إنه لايقدم خربشات، أو رسوما كاريكاتيرية لننظر إليها، ثم نضحك، ونمشي في طريقنا، بل يجعلنا واقفين عندها للتأمل، إنه يقدم شخوصا كاريكاتيرية تتحاور فيما بينها، حول مشكلات حياتية ومجتمعية وسياسية ندركها، ونعيشها، ولكننا لانتكلم عنها برصانة، ودقة، ووضوح، وهذه الشخوص التي يرسمها الشاعوبي يقدمها في تكوينات كاريكاتيرية بأحجام مختلفة عن ماهو مألوف جسديا، لأن الرسم الكاريكاتيري يلعب على تشويه الأجساد، وخلق كائنات مرسومة حسب تقنية التضخيم، أوالتكبير، ومن هنا تتبين مهارة هذا الرسام والفنان الساخر، لأنها شخوص قد تكون أقرب، إلى حدما، من الرسوم المتحركة، تلك التي يمكن تخيلها، بل وأكثر من ذلك مماثلتها على مستويات الأشكال الآدمية، ولكن هذه الرسوم لشخوص الشاعوبي ثابتة، ولكن ما يحركها هو الحوار الذي يدور بينها، وهو حوار مكتوب بالدارجة المغربية حتى يصل خطاب المرسل الرسام إلى المرسل إليه المتلقي، والمشاهد بشكل سلس.

إن الرسم الكاريكاتوري مشهدية ساخرة مؤثرة للمعنى ولإنتاج المعنى الذي ينطوي عليه خطابها، ليس خطاب السياسي المتغطرس الفظ، والملتوي، والكاذب، ولا خطاب الواعظ المرتكز على الإرشاد والنصح والتنويم، ولا أي خطاب مقولب، إنه خطاب ساخر ومتحرر، يربط جسد الرسام يجسد المتلقي أو المشاهد داخل إطار لوحة، وهذه اللوحة، برغم أنها مشبعة بألوان مختلفة ومختلطة براقة، إلا أنها ليست للزينة، وإنما هي لوحة ساخرة، لها معنى، تعيينيا وتضمينيا، والفاضحة لما يسكت عنه أي خطاب رسمي في مجتمع يكابد من سقم مزمن، ومن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومن تفشي الوباء، والحجر الصحي، والنزاعات الأسرية، والعمى السياسي، والتذمر، والفقر، والفساد والتهميش.

إن الشاعوبي يضع أصبعه على الصدمة، أو بعبارة أخرى، على الجرح بشكل ساخر فاضحا أكثر السلوكات البشرية المتهرئة شيوعا.

Loading...