ريم نجمي
من الأمور الروتينية بعد الولادة في ألمانيا حصص إعادة التأهيل الجسدي للأمهات الجديدات. وهي حصص تمارين رياضية خفيفة لإصلاح ما أفسده الحمل والولادة في جسد المرأة. يتحمل التأمين الصحي تكاليف الحصص التي تنظمها في الغالب مراكز تشرف عليها القابلات المتخصصات في التوليد ورعاية الأم.
اشتركت في إحدى هذه الدورات والتي تسمح بأخذ الرضيع خلال التمارين، بل ويتحول حمله في مرحلة من المراحل إلى جزء من التمارين نفسها. هنا أيضا ينسج الرضيع أولى علاقاته الإنسانية بالسادة والسيدات الرضع الجدد، الذين يرافقون أمهاتهن أيضا.
جاء يوم الحصة ووصلت إلى المركز في يوم ماطر. ركنت عربة طفلي في مكان مخصص للعربات وحملت بيد لوازم التمرين وفِي اليد الأخرى السلة التي ينام فيها الرضيع.
بملابسي الثقيلة وصلت الطابق الأول ككرة نارية تتدحرج.
عند القاعة المخصصة للحصص وقفت لأقرأ الرقم مرتين لأتأكد من صحته وكأني لا أصدق أن السيدات اللاتي أرى أمامي هن زميلاتي المشاركات في الحصة: سيدات رشيقات، ممشوقات القوام، لا يبدو عليهن أثر حمل أو ولادة. أحييهن وأندس بينهن كذلك الكائن الذي نضع عليه علامة إكس في تمرين “ابحث عن الخطأ في هذه المجموعة”. انظر إليهن مرة أخرى: لا كرش ولا وزن زائد ولا أي علامة تشير أن جنينا كان هنا قبل أشهر. أضع رضيعي أمام بطني وكأني أخبئ معالم الجريمة. أضعه في المقدمة وكأن لسان حالي يقول هذا هو الجني الصغير الذي حولني إلى ملفوفة ضخمة.
دخلت الداية التي ستشرف على الحصص، شابة صغيرة نصف جسدها لوحة فنية بالوشم وتضع أقراطا صغيرة في حواف أذنها وواحدا في أنفها. تشرح لنا مبدأ الحصص والمناطق التي سنركز عليها في التمارين. ثم ستقوم بدورة فحص لكل مشاركة، لتقيس اتساع الانفصال العضلي في بطن كل واحدة:
“جيد بدأت عضلاتك تعود لمكانها، وأنت كذلك الفراغ بحجم أصبع واحد، وأنت أيضا…” ثم جاء دوري وقلت لنفسي:”الفراغ سيكون بحجم حفرة وستحولني على مركز الحالات الغريبة”
فابتسمت لي قائلة: “الفراغ بحجم اصبعين لكن لا تقلقي هذا أمر عادي في هذه المرحلة .”
وبعد أن تعرفت على القدرات الجسدية لكل واحدة وضعت مكبرا حديثا للصوت وشغلت أغنية فرنسية خفيفة لنبدأ التمارين. وكنت كلما نظرت إلى أجساد هؤلاء الأمهات أتحمس للتمارين أكثر وأزيد من سرعة وصعوبة الحركات وكأني أكفر عن ذنب ما. لتنبهني المشرفة: “هذا تمرين بسيط، ماتقومين به هو رياضة لا يحتملها جسدك الآن.“ -” هل هذا يعني أنني لا أستطيع أن أركض في الوقت الحالي؟” تبتسم المشرفة: ” لا طبعا، يسمح بالركض فقط بعد سنة من الولادة، الجسم في مرحلة نقاهة.”
تنتهي الحصة بشقها الحركي ونبدأ حصة الأسئلة وتبادل الخبرات، فتسأل زميلاتي عن الكيفية التي يمكن أن يحافظن فيها على أوزانهن، لأنهن يفقدن الكثير من الوزن بسبب الرضاعة، فتمنحهن الداية وصفات لكرات الطاقة المكونة من التمر والمكسرات والعسل. أنظر إلى بطني مرة أخرى وإلى ١٥ كيلو الموزعة باعتزاز وفخر ولا أفهم شيئا فأرفع يدي بتردد التلميذ الكسول : ” أنا مرضعة وابني نهم ولكن وزني يزيد، أما من وصفة لنقصان الوزن؟”
تشرح الداية للجميع أن هناك نساء قد تسبب لهن الرضاعة زيادة في الوزن، بسبب الجوع الذي يشعرن به. ثم تختم قولها: “ما تكوّن في تسعة أشهر يتلاشى في تسعة أشهر أيضا. الصبر ثم الصبر”.
تنتهي الحصة على أصوات الرضع الذين تعبوا من انشغال أمهاتهن في اللعب والثرثرة، وتبدأ معركة تغليفهم من البرد، ليصبحوا بصلات صغيرات.
في طريق العودة أفكر في الحصص، في الفكرة نفسها، في عظمة النظام الصحي الذي يرمم أجساد النساء بعد الولادة، ويخلق فسحة لتبادل الخبرات وإيجاد أجوبة صحية من خبيرات متخصصات لمئات الأسئلة التي تدور في أذهان أمهات جديدات.
أنظر إلى السماء الماطرة وأقول شكرا.