يوسف خليل السباعي
إن المثقف عندما يجهل تاريخ الدول ويتنبأ بالمستقبل يظل خارج منطق التاريخ. ينطلق من الحاضر ويسقط الماضي على الحاضر، ويتخيل المستقبل كما يرسمه له دماغه العائش في الحاضر، الذي ليس إلا المجهول ويقيس كل شيء بالسنتيمترات. الشيء الذي يدعو إلى التعمق أكثر في المعرفة الحقيقية للتاريخ الذي يتجدد على مستوى النسق الثقافي للمؤرخين ورؤاهم، هؤلاءالذين لايعتمدون فقط على الوثائق، وإنما على ماهو أعمق من ذلك: الأفعال الزمنية والمكانية للأحداث انطلاقا من خطابات متواترة، أي من لغة. فالتاريخ ليس فقط ماهو موثق، أو مكتوب، وإنما ذلك المسكوت عنه في الخطابات سواء كانت كتابية أو شفهية. ولعل ضوءا خفيفا سيسطع من ثنايا الخطابات التاريخية.
إن التنبؤ بأن حربا ستشتعل بين تيارين بعد أعوام مديدة هو ضرب من خيال المثقف، لايستند إلا على وقائع الحاضر الذي يتحول، ويتطور، ويتسرب كالماء بين أصابع اليد.
فالحاضر في جريان دائم، في حين أن الماضي مثبت كالحجر، و الحاضر سيغدو ماض، ولكن لاشيء قد يكشف حدود المستقبل، الذي يظل مفتوحا على اللانهائي، والمجهول: قاع المستحيل المخيف!