يوسف خليل السباعي
أي رئيس دولة عندما يقول في حوار صحفي إنه ارتكب أخطاء، فهذا يعني أن الرئيس يعيد النظر في طريقة عمله السياسي والاقتصادي والإجتماعي ونظرته بتدبير شؤون الدولة. إنه درس إيمانويل ماكرون.
ومما يلاحظ أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قام بتغيير حكومي في الآونة الأخيرة، تفاديا لأخطاء جسيمة ارتكبتها حكومته السابقة.
لقد خيمت الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب فيروس كورونا المستجد بظلالها على فرنسا، وحصدت الأرواح، والآن ماذا ينبغي أن يكون، والقطيعة مع الماضي القبيح، حيث أصبح المجتمع الفرنسي منقسما، وخرجت مظاهرات عديدة لأصحاب السترات الصفراء التي طالبت ولازالت تطالب بحقوقها الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المطالب المجتمعية الأخرى.
إذا كان العالم اليوم يعيش العديد من النزاعات والحروب وتضارب المصالح وتساقط الاقتصاد و التنافسية الملحة في من سيتبوأ مقاليد حكمه، فهو أمر لايعني سوى المزيد من هيمنة الاستبداد، أو بلغة تعود إلى الحرب العالمية الأولى والثانية، على وجه الخصوص، هيمنة الديكتاتورية التي لاتفهم سوى لغة الفاشية والقمع والقهر والقتل والتدمير والسيطرة وعدم الحوار وطمس الديمقراطية التي هي أساس حرية التعبير والاقتصاد.
ليس هناك شيء ما يسمى تمرين الديمقراطية، كما يقول برلمانيونا، وبعض السياسيين في المغرب، الذين شرعوا في ابتكار أساليب سياسية خارج عن العلوم السياسية والمفاهيم السياسية، كما هو حال عقد ” النجاعة” وغيرها من الكلمات التي هي من صميم العمل الرياضي والصيدلي، وإنما بناء اقتصاد مجتمعي عادل، لااقتصاد طبقي، يغني الغني ويفقر الفقير، فأن تتمرن في الديمقراطية معناه أنك لن تصل إلى الديمقراطية، وإنما ستظل واقفا في النقطة التي انطلقت منها، ذلك لأن التمرين يأكل نفسه كما القطة التي تأكل أبنائها.
إن إيمانويل ماكرون يشدد على الديمقراطية بلاتمرين، وعلى بناء الاقتصاد، وكذلك على حرية التعبير والحوار، ثم الأكثر من ذلك على وحدة فرنسا، الوحدة الوطنية التي يستمد روحها اللفظية والمادية والمعنوية من الجنرال دوغول، ولكن، بما أنه سياسي كباقي السياسيين يفكر في الانتخابات القادمة. إن الطريق إلى ذلك، لن يتم له إلا ببناء اقتصاد قوي، ومجتمع موحد يؤمن بحرية التعبير والاختلاف، وعدم الانقسام.
إن حركة السترات الصفراء التي خرجت في مظاهرات وانتفاضات في فرنسا لم تكن إلا التعبير عن حركة تحررية، لاثورية، لأنه لم يكن وراءها نسق ثقافي وفكري وفلسفي، وإنما هي تستمد فكرها المطالبي التحرري من تراب الشارع، ومن الواقع المعاشي، وعلى الرغم من مواجهتها من طرف الشرطة بعنف، التي هي ليست إلا جهاز في يد الدولة، إلا أنها استطاعت أن تفرض وجودها، وذلك ماسيسجله التاريخ. لنتذكر حركات مثلها في التاريخ الفرنسي، ولكن في صيغة مختلفة أخرى، هي حركة اللاسرواليين، وهذا موضوع آخر.
إذا كان إيمانويل ماكرون ضد التخريب والفوضى وغيرها، فهذا حقه كرئيس دولة يحافظ على النظام، ولكن بناء اقتصاد قوي، وديمقراطية حقيقية، وضمان حرية التعبير لن تتم إلا في إطار تنمية الإنسان اقتصاديا و تقوية حرية التعبير وتماسك مجتمعي رصين مبني على الاختلاف لا النزاع.