مدرسة سيدي إدريس بتطوان: نموذج للاحتذاء في الاهتمام بالفن والبيئة

   بقلم ؛ محمد الخشين   
كل زائر لهذه المدرسة لا بد وأن يبقى مشدوها لبعض من الوقت بالنظر إلى ما يأسر العين ويسر الذهن من آثار العمل التربوي الجاد البادي للعيان، والذي يعد ثمرة تفاعل كل الأطقم الإدارية والتربوية العاملة بهذه المؤسسة بتفان وتفاهم مثالي. بحيث أن مثال الخدمة التعليمية الذي تقدمه هذه المدرسة العمومية بإمكانياتها المادية المحدودة يتجاوز كل الأمثلة الأخرى بالمدينة نفسها بما فيها تلك التي تنتجها مؤسسات التعليم الخاص.


وأما سر هذا النجاح فيكمن في المحاور التي انصب حولها مشروع تربوي تم إنجازه بعناية، جعل من الاهتمام بالفن والبيئة الأداة التي توسل بواسطتها تحبيب المدرسة للأطفال، وهذا المشروع نفسه ارتقى بملكة الذوق عند المتعلمين بتحفيزهم من طرف الأساتذة يوسف كسيسو، نعمان أفيلال وخالد الريسوني…على المشاركة في تزيين مدرستهم بجداريات ومنحوتات وتراكيب فنية رائعة ،التقطتها عدسة كاتب هذه السطور المتواضعة من أجل تقاسمها مع القراء على سبيل الاستدلال:

السيد محمد العربي الداودي مدير مدرسة سيدي إدريس الابتدائية بتطوان

وقد صرح لنا السيد مدير هذه المؤسسة بكون الفن “يلعب دورا مهما في تشكيل شخصية الطفل على اعتبار أن الطفل في مرحلة أولى ينظر إلى الفن كمجرد لعب، وهذا اللعب يجعله يكتشف بعض المواهب الكامنة لديه”.وبالفعل فقد تكلم كنط  عن الفن كنوع من اللعب الحر، كما أن غادامير أشار إلى الفن كلعب جدي يجعل كل من يخل بقواعده كمن يفسد متعة الاحتفال.

وبالنسبة للمقاربة التي اعتمدها السيد محمد الداودي في المؤسسة التي يديرها، فهي تعتبر الفنون التشكيلية كنشاط موازي من شأنه أن يساعد على تهذيب السلوك عند الطفل وتنمية قدراته الإدراكية والإبداعية.ولتحقيق أهداف هذا المشروع، وبالنظر إلى عدم توفر المدرسة على الأشخاص الذين سيقومون بهذا العمل، فقد استعانت إدارة المدرسة بأطر  من خارج المؤسسة مثل أساتذة الفنون التشكيلية الذين يدرسون بمؤسسات أخرى، ومن بين هؤلاء ممن أسدوا الخدمات الجليلة  وأعطوا الانطلاقة لعدد من الأوراش التشكيلية بمدرسة سيدي إدريس الفنان يوسف سعدون الذي كان يتطوع من أجل تلقين مبادئ الفن للأطفال ما جعلهم شغوفين بالفن.ومنذ ذلك الوقت أقامت المؤسسة عدة معارض بتأطير  الأستاذ الفنان يوسف سعدون، وكان التشكيل حاضرا بقوة أيضا في ديكور العروض المسرحية التي قدمها تلامذة المدرسة، كما انخرطت الأستاذة مليكة الفضيل بتأطير نادي الرسم على الزجاج، ورغم تقاعدها فهي ما زالت تشرف على النادي بصفة تطوعية.

منحوتة تحت إشراف الأستاذة حكمت الحداد (من متروكات جذوع الأشجار التي خضعت للتشذيب من طرف الجماعة الحضرية بتطوان)

وجود النادي الفني قاد فريق العمل إلى إحداث نادي الخط العربي الذي يؤطره عبد الإله العريبي،حيث فاز النادي نفسه في مسابقات مهمة، من بينها:جائزة عبد الخالق الطريس للخط العربي سنة 2019، كما شارك تلاميذ المدرسة في مسابقة رسومات حول العالم تحت شعار”رسائل تقدم من أجل مستقبل كوكبنا”في سنة 2006،فكانت المؤسسة سباقة في بناء تصور حول تهيئة وادي المحنش، حيث أشرفت الأستاذة سعاد أولاد الطاهر التي كانت ولاتزال تشرف على النادي السينمائي للمدرسة،رغم تقاعدها هي الأخرى،”وبفضلها عرفت المؤسسة إشعاعا دوليا”، وفق ما أسر لنا السيد مدير المدرسة، حيث فازت المدرسة في المهرجان الدولي للفيلم التربوي في العام نفسه على الجائزة الأولى وطنيا، والثالثة دوليا.وهناك مؤطر بلجيكي يقضي أسبوعا كاملا مع تلامذة المدرسة خلال كل دورة للمهرجان السينما المتوسطية بتطوان،حيث يلقنهم دروسا في مادة الأشرطة المرسومة.وباختصار فإن هذه التوجهات أثارت انتباه خبراء دوليين في مجال التربية الذين استغربوا من انخراط الآباء والأمهات وأولياء أمور التلاميذ في الأنشطة الموازية، ما لم يلحظوه في بلدانهم الأصلية.والفضل يعود في هذه المنجزات إلى السادة الأساتذة الذين يعملون بكل روح وطنية صادقة.

Loading...