بورتري.. البشير الدامون عبق الرواية الوضاحة

بقلم ؛أسماء المصلوحي
1 – المتربع على أسرار الرواية:
“تطوان منجم لمن يرغبون في الكتابة الروائية”.
هكذا لخص البشير الدامون علاقته العشقية بمدينة ربطت حبله السري بشهقته الإبداعية.
تتجلى الكتابة عند البشير كالتجوال في زقاق الطفولة، حيث يهاجمك الحنين ويكبر فيك عاليا دون الرجوع إلى تبذخ السنون.
مذ اقترافه لجريرة الكتابة، ذهب البشير بعيدا صوب النوافذ المغلقة في “سرائر الأسرار”، روايته الآتية من أحداق البؤر الإنسانية المهمشة المسكوت عنها طوعا / كرها.
من عقر “الطالعة”، رحيق الولادة والنمو ، يعرج بنا الغوص الإبداعي عند الدامون، ليصل إلى (السوق الفوقي)، أو كما يطلق عليه البشير بنبرة الآسى (السوق السفلي).
تتمظهر الرؤية الفاضحة العارية لمجتمع يهب للكاتب الكثير من المتناقضات على هيئة عويل، صراخ، ضجر، العنوان الأبرز (المرأة).
2 – حكايا لا تسمع:
من يانع البدايات المشرقة آتى البشير بسرد جميل مغاير.
يقول في إحدى حواراته:
– المرأة بالنسبة لي سر من أسرار الوجود، سر جميل.
البشير استثناء قوي في الكتابة الروائية.
نزيل الحرف المجنح الباحث عن العوالم المدهشة والواقعية في كتابة ضالعة في جمع شتات المبتغى المأهول بانعدام النمطية. البعيد عن حروف التبعية.
لا يمسك كاتبنا بالقلم من زاوية التطويل الممل، بل يخاف على القارئ الذي يفقد النشوة الحسية، بعد معاناة مديدة للسرد المكتنز بعبارات تعرف كيف يكون تقليم الأظافر في عز المتابعة المتكررة.
لهذا فقد عقد ميثاقا غليظ التمعن مع التشطيب والتهذيب والحذف.
3 – مواجع وفواجع في الرواية العربية:
يعكف البشير على ملاحقة المواجع الإبداعية دون الرجوع إلى نقطة البداية.
أعمق هو إذا تحدث عن الواقع المعاش تحت مظلات الحياء.
وأبلغ إذا رفع الستار عن صمت يسكن السرائر والأسرار.
لا يتحدث البشير عن رواياته بمعزل عن مدينة عشقه وانتمائه.
لكنه يوازي الاشتغال على الحكي من باب تعدد الرؤيا.
تكريسا لواقع يتسلل خفية، يذهب البشير نحو أقاصي الشفافية ليتعزز الوعي المخالف لصراخ المرأة في أحلك حنينها إلى يد تدرك كيف ترسم بشارة الفرح.
الكتابة عند البشير تتغلغل في واقع المرأة الثكلى المنتظرة لعدالة السماء.
مساحة إبداعية تشي بفنطازيا يغوص فيها الحرف الروائي.
في روايته الأولى (الدار الكبيرة)، كما في رواياته السامقة إبداعا ومشهدا، يمنح الدامون الوثوق التام للفئة المهمشة، لنساء اختارهن القدر لأبشع المهن… لتكون رواياته نصرا وانتصارا لضحايا الكرامة المميتة.
4 – على ضفاف الحب:
النص الأدبي لا يمكنه الانفلات من جريرة العمق.
أن يجد الكاتب نفسه يعيش في معترك الحيوات الأخرى، الأمر يحتاج إلى البعد عن الإقامة الإجبارية في محيط الإحباط.
لهذا تجده يقبل على محور المرأة داخل واقع يعترف بما تعانيه المرأة من نارين كلاهما أحر من أتون اللهيب.
– مذكر متسلط…
– عقلية عاقر.…
هكذا يتأثث الفضاء المكتنز لإبداع يفسح المجال للروائي لتصحيح النظر في مجتمع طاعنة أفكاره في تلعثم خلقي.
حينما يصمت الإبداع ويطلق العنان لليراع يتسلطن الدامون بتميز يخاطب الإستقرار الأدبي.
ولا يمكن أن يتم الهبوط من سفح الدجى المراكم لهدوء السرد الطافح بالتفرد.
5 – أرض المدامع:
واحدة من أروع الروايات التي تقترب ضالتها من زوايا الملموس.
الكاتب لا يستحضر الوضوح من ملكات الحوار، بيد أن مخاض أي عمل يحتاج إلى ولادات متكررة وإجهاضات مميتة.
يقول البشير:
– ربما كنت أمسح نصف ما أكتب وأخاف أن يصاب قارئي بالإسهاب أو الملل.
لكي تقبض على الذهول، الذي يتبدى حضوره في أوج التمكين المجنح، تجرى مكاشفة بين الكاتب والواقع، تمفضي إلى علائق يتم من خلالها البناء اللغوي والتزاوج بين الأحداث والزمان، حيث يعرج بنا الكاتب نحو إجهاش لبقايا الصور الإنسانية.
6 – رحيب بعوالم الرواية:
في جعبته تينع مشاتل الإيناع والإبداع.
ثراء يلح على الصمود والذكاء الثقافي في معترك يميل نحو ابتلاع لزقاق الأغوار.
أكاد أجزم أن الروائي البشير الدامون الناطق الأدبي الأوحد لتطوان وتفاصيلها الندية.
علاقة حب مذهلة حقيقة واقعية لفلتة من فلتات الرواية العربية اسمه: البشير الدامون.
Loading...