مصطفى بودغية
كثير من التحليلات رغم أهميتها يتمركز حول شخص واحد أحد..شأن الخبريات التقليدية حول “عمر بن الخطاب” وكيس الطحين..و”عمر بن عبد العزيز” والحب المنثور على رؤوس الجبال..الذي ينقص هذه التحليلات هو النظر للمجتمع كمؤسسة تتحكم فيها إرادة قوة أمام إرادات قوة أخرى متصارعة معها قد تضعف وقد تتقوى مع مرور الزمن..ولهذا يجب استحضار في التحليل البعد الاجتماعي والتاريخي والسياسي والاقتصادي..لا يمكن لرجل مهما كانت قوته ومهما كان دهاؤه السياسي أن يحول مجتمعا بأكمله..كما يحول الطفل العجينة في يديه..أو كما يحرك اللاعب البيادق على الرقعة..خاصة وأن مؤسسة الجيش التركي مؤسسة قوية جدا..هناك أسباب توجد ما وراء أوردوغان وأفعاله…كما وجدت أسباب وراء ظاهرة هتلر في ألمانيا..نحن نعرف أن تركيا لها طموحاتها الكبرى مثل أي دولة..لأنها في النهاية دولة رأسمالية يهمها تراكم الرأسمال ولا تنفصل عن البنية الاقتصادية التي تسود في العالم الغربي والأمريكي..ولهذا فهي عضو مؤسس للحلف الأطلسي..ولها علاقات تجارية وعسكرية مع “الكيان الصهيوني”..لكن طموحها الأكبر كان هو الالتحاق بالاتحاد الأوروبي..ولم يكن العالم العربي يعنيها..أمام هذا التوجه العام لرجال تركيا الأقوياء كان “نجم الدين أربكان” يفشل ويصطدم بجدار منيع..رغم أن “أربكان” كان نجما ساطعا فعلا..وكانت تجمعاته تعد بالآلاف..وعندما يئست تركيا من دخول النادي الأوروبي الذي كان يرفضها باستمرار..يممت وجهها شطر الشرق حيث يوجد العالم العربي المهووس بالدين والتدين أكثر من هوسه بالعلم والثقافة..وهنا لا بد من وجه إسلامي الذي وجدته “تركيا العميقة”..تركيا رؤوس الأموال والجاه..في شخص “أوردوغان” الخارج لتوه من جلباب “أربكان”..وتأتي رياح “الربيع العربي” الأمريكي مواتية بقرار أسلمة الأنظمة السياسية في العالم العربي..وهي أسلمة لا تمس النظام الاقتصادي العالمي وهيمنة أمريكا والغرب عليه..بخلاف “النظام الإيراني”..وجاءت الهجمة الشرسة على ليبيا وسوريا في محاولة لشل الدولة فيهما وإعلانهما دولتان فاشلتان لإلحاقهما بالعراق..وكان التحالف التركي السعودي الخليجي..وكان تخريب “حلب” عاصمة الاقتصاد السوري..وسرقة معداتها الصناعية..وسرقة مخزون الغذاء الاستراتيجي..وضرب دفاعاتها الجوية..تم هذا بعد أن فتحت تركيا حدودها أمام تدفق المرتزقة والأسلحة والمال..لكن هنا ستصطدم تركيا بالسعودية ورغبتها الدائمة في زعامة العالم العربي..وكان على تركيا أن تمعن في المزيد من مظاهر التدين ..معتمدة على حليفها الإخواني الذي فشل في مصر وفي سوريا..وتم إضعافه في ليبيا وتونس..ولم يبق له سوى الترويج لوجه أردغان كما لو كنا أمام الترويج لولي من أولياء الله الص الحين..داخل مجتمعات مهزومة فاشلة لم تنفصل بعد عن ثقافة “الأب/الزعيم”..وهنا وجدت “صورة أوردوغان” المروج لها بقوة حتى تسد النقص وتعوض عن الفشل والإحباط..بينما “أوردوغان” الرجل السياسي لا يعدو أن يكون وجه تركيا العميقة وتطلعاتها نحو تحقيق مصالحها الآقتصادية على حس أب الآخرين كما تفعل أي دولة أخرى..بما فيها أمريكا..وهذا لا يمكن من أن يكون “أوردوغان” رجل دولة بامتياز سواء اتفقنا مع سياسته أو اختلفنا معها..