كيف نوقف كتابة الشناعة؟

يوسف أبولوز

هنا بناءٌ آخر على فكرة الصديق الشاعر التونسي المنصف المزغني حول ما سمّاه «الحجر الأدبي». يقول في العدد الخامس والأربعين من مجلّتنا الرصينة «الشارقة الثقافية»: «عبارة الحجر الأدبي قبل زمن كورونا. مصطلح بلا معنى آخر غير: الرقابة، ومصادرة بعض الكتب أو الرقابة خوفاً من تفشّي كتاباته الجرثومية في الجمهور العام».

يمكن أن يضاف إلى ما قاله المزغني، وهو ساخر كبير، مصطلح آخر هو «الحجز الثقافي» على كل كتابة أدبية أو ثقافية أو صحفية جرثومية.. الأكثر شناعة فيها أن تصدر عن نفوس صفراء مريضة.

الكتابة الجرثومية التي تستحق الحجر الأدبي والحجز الثقافي هي كتابة الكراهية أولاً، وما أسوأ الذات الكاتبة إذا كانت كارهة ومسكونة بنشر الشناعة والبشاعة، وتصدر عن غيظ دفين.

الكتابة الجرثومية التي جعلت شاعراً جميلاً ساخراً مثل المزغني ينتبه إليها في الزمن الكوروني هي كتابة التعصب، والعنف، واستغلال القارئ بلغة التسطيح تحت عنوان موارب هو الكتابة الشعبية، ولكن من قال: إن الكتابة الشعبية هي كتابة التسطيح والتنكيت الأجوف ثقيل الدم؟ كان عزيز يسنين كاتباً شعبياً، ولكن في قلب قماشته الإبداعية يكمن أدب إنساني نقدي عظيم حيّ إلى اليوم، وفي حيّز أدبي واسع من روايات نجيب محفوظ ثمّة ما هو شعبي نقي مشتق من الحارة المصرية، وعند غسان كنفاني أدب شعبي مركزه تحديداً المخيم الفلسطيني، وكان الكاتب المصري محمود السعدني شعبياً بامتياز، ولكن مقالته كانت حديث المقاهي وصالونات النخب في القاهرة، والشعراء الشعبيون من بيرم التونسي إلى أحمد فؤاد نجم وغيرهم من ضمائر شعبية شعرية هي رموز ثقافية لا تقل في معناها الرمزي عن كتّاب النخبة.

في زمن ثقافي عربي ذهبي، كما يقولون، كان في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين يصعب أن يطلق أحدهم عبارة «الحجر الأدبي» أو «الحجز الثقافي» على هؤلاء الذين يصدرون في كتاباتهم عن قلوب بيضاء صافية أولاً، فالكتابة هي ابنة القلب، والكتابة تطهّر، والكتابة تحتفظ بقدسيتها دائماً، لأنها هدية من الله، وعندما تتشوّه الكتابة بالحقد والضغينة والاستغلال تصبح جريمة كبرى، خيانة، وابتزازاً، واستعراضاً.

في السنوات الأخيرة ظهر صحفيون أيضاً بالقطعة وبالشيك أو بالكاش، ودائماً بالعملة الصعبة، وظيفتهم الأساسية تهديم رموز الثقافة العربية، كما أشار إلى ذلك بتفصيل الشاعر الصديق علي العامري في مقالته في العدد الجديد من مجلة «الناشر الأسبوعي».

كتّاب لا مبالون يتسلّقون على الشعر بكتابة خواطر سطحية إنشائية، هم أيضاً أقل ما يصدر في حقّهم الحجر والحجز.
روائيون بالجملة جعلوا من الشخصية اليهودية بشكل خاص ثيمة متداولة في السرد العربي الحديث، أقل ما يصدر في حقهم الحجر والحجز.

كتّاب بالجملة والمفرّق، يُسمّون كتّاب الشنطة يروّجون للتطبيع، وينشرون ثقافة اليأس والإحباط، هم أيضاً مكانهم الحجر والحجز.

كيف نوقف هذه الشناعة والبشاعة والبضاعة؟ نوقفها بالكتابة المضادة، كتابة الجمال والمحبة.

Loading...