مصطفى بودغية
الوردة تلك النبتة الأنيقة مثل امرأة في كامل رونقها..الفواحة من عطر أريجها في ذاتها وخارج ذاتها..جمالها ملك الجميع..عبيرها صدقة جارية لكل عابر سبيل..زينة المكان..عبق الهواء وشذاه…
الوردة لا تكون وردةً إلا وهي تمد جذورها في التربة.. مقامها في حضن الطبيعة..ابنة الحديقة وحفيدة الأرض المعطاء..تحيا كما نحيا..تشرب نفس الماء..تستنشق نفس الهواء..تتغذى كما نحن نتغذي..تموت كما نحن نموت.. تصيبها الشيخوخة ويلحقها الوهن مثلنا..تتلحف بجمال العنفوان في شبابها..ينجذب إلى جمالها الأخاذ العاشقون.. ربة شعر لدى الشعراء..كم مرة أضرمت لهيب الشعر بين جوانحهم..ألهمت حمرتها الثوار..أثارت خيال الحالمين بغد أفضل..علمت الإنسان الفرق بين الخشن واللين..بين الصلب والرقيق..بين الرعونة واللطف..توأم المرأة..رابطة حب بين عاشقيْن…
الوردة وديعة مسالمة..تنثر محبتها على كل الناس..لكنها لأجل صفاتها تلك..تتعرض للاغتيال كل يوم.. كل دقيقة.. كل ثانية في العالم.. الإنسان الذي يغتال الإنسان.. يغتال الطبيعة أيضا.. يقطع الشجر.. يفسد مذاق الماء ويغتال طعمه..الإنسان يغتال الوردة.. الوردة المقطوفة تموت في يد الإنسان..تموت تحت قدم الإنسان إنْ داسها.. ليس للوردة معنى وهي في يد الإنسان..إلا أن يكون معناها مثل معنى الجثة بين يدي قاتلها.. الوردة في اليد تعبير عن عواطف يحملها الإنسان..قد تكون صادقة أو زائفة..لكنها عواطف لا تعني الوردة وهي تحتضر في اليد..مثلما تعبر الجثة عن الروح الإجرامية لقاتلها..تلك الروح لا تعني جثة الضحية…
تنمط الورود وتصفف في باقة ورد.. قد تكون باقة الورد تعبيراً عن فرح أو حزن أو أبهة أو جاه..قد تضفي الباقة بعضا من الرومانسية على طاولة اجتماع مسؤولين فاسدين خلت قلوبهم من كل عاطفة..الباقة هنا على طاولتهم لا تعبر عن ذاتها ولا تعبر عن الحاضرين..تعبر فقط عن اللامعنى أو معنى مغتال..لكن الباقة..في كل الأحوال.. مقبرة جماعية للورود..الورد المصفف في الباقة يموت ولو في إناء من ماء..إناء الماء الحامل للباقة زينة البيت.. تعبير عن فرح حقيقي أو فرح مفتعل..طارد لتعاسة متجذرة مزمنة.. لكن الإناء موت إكلنيكيٌّ للورد المصفوف فيه عنوة.. الورد لا يبكي..لكنه حتما يتألم حين يستأصل من حضن أمه الطبيعة..كما يتألم الطفل وهو ينتزع من حضن أمه….