مصطفى بودغية
رحل قبل عامين المفكر العربي المصري “سمير أمين” ذو التكوين الاقتصادي المتين.. حصل على الدكتوراه في الاقتصاد سنة 1957 من جامعة السوربون في فرنسا.. وكان قد حصل قبلها على شواهد عليا في “العلوم السياسية” و”الإحصاء”.. هذه الشواهد تبين إلى حد بعيد “الزاوية” المعرفية التي كان ينظر من خلالها إلى العالم.. تأثر “سمير أمين” بالفكر الماركسي.. لكنه لم ينغلق داخل الإديولوجيا الماركسية كما روج لها الاتحاد السوفياتي..أو كما كان يتبناها الحزب الشيوعي الفرنسي..ولهذا فهو ينتمي لفئة من المفكرين الماركسيين المتحررين من الانغلاق الإديولوجي.. الذين حاولوا اعتماد “الماركسية” كمنهج لتجديد الفكر وأسلوب لتوليد الأفكار والمواقف الجديدة.. أغلب تحليلات “سمير أمين” تصب في إلقاء الضوء على مفهوم “التبعية” التي تعني هيمنة مراكز الفوة الرأسمالية على مقدرات الشعوب..وأيضا سبل مواجهتها بفكر متجدد متطور بعيدا عن الفكر التقليدي المتحجر المنغلق على ذاته..
ومن زاوية “التبعية” قام “سمير أمين” بتحليل نماذج من “الإسلام السياسي” من الزاوية الاقتصادية في علاقاتها بنمط الحكم وبأصولها التاريخية المعاصرة، وبين أن هذه النماذج لا تخرج عن بنية النموذج الرأسمالي الطاغي والمهين، واستعملت سلاحا إديولوجيا لضرب بعض حركات “التحرر” الوطني،لا يرى “الإسلام السياسي” أي مشكلة في النظام الطبقي وفي احتكار الثروة، وفق فكرة “توزيع الأرزاق” وفكرة أن “الفقر” ابتلاء من الله. ولهذا فالنموذج الذي يدعو له “الآسلام السياسي” لا يتعارض مع النسق الرأسمالي العالمي، بل يتكامل معه ويعززه، هذه المنطلقات تجعله يختلف عن النماذج الاشتراكية أو القومية أو الوطنية..
لا يمكن حصر إنتاجات “سمير أمين” في هذا النص التأبيني القصير..نظرا للرحلة الفكرية الطويلة التي قطعها..ونظرا أيضا لاهتماماته المتعددة..والمتجددة عبر تطوره الفكري وعبر تجدد معطيات التاريخ وتنوع تجاربه الشخصية في مجال عمله مستشارا اقتصاديا في عدد من الدول الإفريقية..وكذلك في مجال عمله مديرا لمعهد أممي مختص في مجال التخطيط الاقتصادي..
عرف “سمير أمين” في تتبعه وتطويره لمفعولات مفهوم “القيمة” في حركية النسق الرأسمالي وتجدده وفتحه لفضاءات اقتصادية جديدة.. لكن أهم نظرية عرف بها “سمير أمين” هي نظرية “المركز والمحيط”..هذه النظرية تصب في تطوير تصورنا حول مفهوم “التبعية” وكذلك في نقد هذا “المفهوم” انطلاقا من الجدلية التي تربط بنيويا علاقة “المركز” بـ”المحيط”.. لقد ألقت نظرية “المركز والمحيط” الكثير من الأضواء على آليات اشتغال النظام الرأسمالي العالمي في هيمنته الاقتصادية والمالية والسياسية على شعوب العالم..مما يوفر انسياب “الثروة” من بلدان العالم (المحيط) نحو قليل من البلدان تعد منطلق الرأسمالية نحو الهيمنة..وهي هنا العاصمة الأميركية وبعض العواصم الأوروبية (المركز).. هذا الانسياب المتحكم فيه للثروة من أطراف العالم نحو بلدان المركز.. هو ما وفر ما سماه “أنور ع. الملك” “فائض القيمة التاريخي”.. وهو من الأسباب البنيوية في ارتفاع مستوى العيش لدى بلدان المركز.. وأيضا في استمرار الحفاظ على ذلك المستوى من العيش المرتفع..وفي المقابل انتشار الفقر والمجاعة والمرض في الأطراف..الأمر الذي يفسر النزعة العدوانية الحربية لدى الأنظمة الرأسمالية في بلدان “المركز”….