اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود.. مناسبة للوقوف على مأساة تجارة الرقيق وكشف أبعادها المختلفة
حسين الحساني
يحتفل العالم أجمع، يوم غد الأحد، باليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه، الذي يؤرخ لانتفاضة العبيد على نظام الرق، وذلك بهدف الوقوف على مأساة تجارة الرقيق وكشف أبعادها المختلفة، وتعزيز التفكير والنقاش حول هذه المأساة التي تركت بصماتها على العالم ظلت آثارها ماثلة إلى اليوم.
ففي ليلة 22 إلى 23 غشت 1791، انتفض رجال ونساء، ممن اُسترقوا في إفريقيا واجتثوا منها، وتمردوا على نظام الرق بغية تمكين هايتي من نيل حريتها واستقلالها، ونالوا مبتغاهم في عام 1804، ليشكل هذا التمرد منعطفا في تاريخ البشرية كان له أثر عظيم في مسألة تأكيد الطابع العالمي لحقوق الإنسان.
ويعد اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود فرصة لتذكير المجتمع الدولي بتضحيات من حكم عليهم في الماضي بالرق بمختلف أشكاله، والإحاطة الجماعية بالعوامل التاريخية وأساليب وعواقب هذه المأساة، إضافة إلى تحليل وتفسير التفاعلات التي أدت إليها بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين وجزر بحر الكاريبي.
كما يشكل مناسبة لتذكير العالم بضرورة بذل المزيد من الجهد للقضاء على هذه الظاهرة من خلال محاربة الممارسات الشبيهة بالرق في الوقت المعاصر من قبيل الاتجار بالبشر والتعصب وكراهية الأجانب والتمييز العنصري والعمل القسري.
وتسعى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى التذكير بالأهمية الحاسمة لنشر المعرفة بهذا التاريخ من أجل الاسترشاد بالعِبر المستخلصة منه لمكافحة جميع أشكال الاضطهاد والعنصرية في الوقت الحاضر. وقد حددت ثورة عام 1791، نظرا للصدمة العظيمة التي أحدثتها، مسار حركات الكفاح والنضال من أجل تحرير الشعوب ومسار المساعي المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية منذ أكثر من مائتي سنة.
ولهذا الغرض، كانت (اليونسكو) قد أطلقت مشروع “طريق الرقيق” سنة 1995، بوصفه أداة عالمية لتوضيح النتائج والتداخلات الناتجة عن تجارة الرقيق وتحديد المواقع والأبنية وأماكن الذاكرة لهذه التجارة وكذا البحث عن سبل تعزيز التقارب بين الشعوب حول الموروثات المشتركة الناجمة عن هذه المأساة.
ويتوخى هذا المشروع وضع برنامج للتوعية التثقيفية من أجل حشد جهات منها المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني بشأن موضوع إحياء ذكرى تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، لكي تترسخ في أذهان الأجيال المقبلة أسباب هذا النوع من التجارة ونتائجها والدروس المستخلصة منها وكذا للتعريف بالأخطار المترتبة عن العنصرية والتحامل .
وأوضحت (اليونسكو)، التي تسعى من خلال هذا المشروع إلى أن تستمد من هذه الذاكرة العالمية القوة اللازمة لبناء عالم أفضل ولإظهار العرى التاريخية والأخلاقية التي تؤلف بين الشعوب، أن أحد أهداف النضال ضد العبودية وإلغائها هو التعريف والاعتراف بالأثر الكبير الذى تركته الثقافات الإفريقية على ثقافات وحضارات العالم.
كما سلطت (اليونسكو)، من خلال هذا المشروع، الضوء أيضا، على الحوار بين الشعوب من مختلف القارات، والتي أدت إلى ظهور أشكال جديدة من التعبير الثقافي ساهمت في تنوع استثنائي في العالم ذو قوة إبداعية وقدرة عالمية لإعادة اكتشاف الذات.
وفي رسالة خاصة احتفاء باليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه، قالت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، إننا “نحني إجلالا وتكريما لذكرى جميع من تعرضوا للاتجار بالرقيق الأسود، ونحيي اليوم ذكرى أولئك الثوار (…) الذين مهدوا الطريق لاستئصال كافة الممارسات القائمة على نزع الصفة الإنسانية عن بعض البشر”.
وأوضحت السيدة أزولاي أن “تاريخ تجارة الرقيق هو نتيجة لمفهوم عنصري للعالم يفسد جميع أبعاد النشاط الإنساني”، مضيفة أن هذه الرؤى العنصرية لا تزال قائمة اليوم “في أنواع الخطابات وأشكال العنف” الراهنة التي لها صلة مباشرة بذلك التراث الفكري والسياسي.
ونوهت المسؤولة الأممية إلى أن “استخلاص العبر من تاريخ الرق والعبودية يتطلب الكشف عن جميع أبعاد هذا النظام العنصري وفضح كل الممارسات المرتبطة به، ودحض كل الحجج البلاغية أو العلمية المزعومة التي استُخدمت لتسويغ هذا النظام، ورفض أية تسويات أو تنازلات أو خطابات تقوم على التماس الأعذار”، لافتة إلى أن “إدراك هذه المسألة يعد أول شرط من شروط التمكن من مكافحة أشكال الرق والعبودية المعاصرة التي مازال يرزح تحت وطأﺗﻬا الملايين من الأشخاص، لا سيما النساء والأطفال”.
يشار إلى أن الاحتفال باليوم الدولي لإحياء ذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه جرى لأول مرة في هايتي (23 غشت 1998) ثم في جزيرة غوريه في السنغال (23 غشت 1999)، وتلته بعد ذلك جملة من الفعاليات والتظاهرات الثقافية للتعريف بمساهمات الرقيق من خلال نضالاتهم من أجل الحرية والكرامة في خلق عالمية حقوق الإنسان.
وكالة المغرب العربي للأنباء