قراءة: النظرة إلى الأعلى في لوحة للفنان التشكيلي محمد بوزباع

يوسف خليل السباعي

إن للنظرة عموما مستويات؛ وهي لاتصدر تشكيلية إلا من العين، إنها رؤية لشيءما. ولكن هل العين تحدد الشيء الذي تنظر إليه؟!… لاحديث هنا في لوحة الفنان التشكيلي محمد بوزباع عن العين التي تنظر إلى الشيء. ثمة عين يسرى لشخص مفتوحة على الأعلى، أي على ماهو ميتافيزيقي لاندركه بتاتا، وماهي، في حقيقة الأمر، إلا عين محصورة داخل قماش اللوحة، لاترانا، ولكن نحن نراها، في حين أن ثمة في هذه اللوحة عين أخرى مستورة، وملتبسة، وفي هذا المنحى، لغز اللوحة، أو مجهولها، ذلك اللغز الذي لايكشفه الفنان التشكيلي محمد بوزباع كي تغدو اللوحة مفتوحة على قراءات متعددة، ويؤولها كل متلقي بهواه، وبطريقته الخاصة.

إننا ندرك أن أعمال بوزباع التشكيلية تعتمد، في تنوعها، على خيط سري، لايكشفه إلا العارفون… حيث تشتغل تقنية الغطاء والتعري، التجلي والخفاء، ومن هنا إبداعيته، وفنيته، واستتيقية أعماله التشكيلية المتنوعة. فما هو سر النظرة في هذه اللوحة؟!… إنها نظرة إلى الأعلى ظاهريا، لكنها، في الواقع، نظرة إلى الأسفل، باطنيا، إلى تلك الطبقات السفلى من الذات، ذلك اللاوعي الذي يكون كل الأهواء، والرغبات، والحاجات، والأحلام، والتمردات، أو بعبارة أخرى، ذلك الليل الذي تصدر عنه الأصوات، والهمهمات، وكل الأسرار المدفونة في الذات!

إن هذه اللوحة التشكيلية لمحمد بوزباع ليست صرخة، برغم الفم المفتوح للكائن المتشكل، وإنما نظرة إلى داخل الذات، وماتحمل في باطنها من نيران العذاب، والشقاء الإنساني، ولعل العين المستورة والملتبسة في آن معا تكشف هذا التضمين. آنها عين مضمرة، ومتضمنة لما يخفيه الكائن من أسرار، هي، جوهريا، منغرسة في الطبقات السفلى للذات.

وإذا ما تأملنا هذه اللوحة جيدا، وبمهارة، سنجد أن الألوان المنصهرة فيها، والتي تجمع بين الأسود، والرمادي، والقريب إلى البرتقالي، هي الوان دالة، مقصودة، وليست ملقاة في اللوحة اعتباطيا، إنها تدل على الحزن والعذاب، والشقاء؛ ألوان نيرانية كأنها الجحيم ذاته، وهذا الجحيم ليس هو الآخر، وإنما هو الذات، بالمعنى الفلسفي لكلمة الذات.

إن النظرة المفتوحة على الأعلى ليست إلا انعكاس للنظرة المستورة، والملتبسة، وكلاهما عين ترى إلى الذات في جحيمها، لكن وراء الكائن الناظر ثمة ظل ينظر إلينا، لكننا لانعطيه وزنا، إنه ليس ظلا فقط، بل كائن ظلي بوجه آدمي يتلبسه السواد، ولكن، تشاكليا، ينظر إلينا بعينه اليمنى، ومن هذا السواد ينبجس نور، هو العين التي ترانا ولانراها.
إنها ليست إلا عين الكائن المتشكل في الأصل.

Loading...