يوسف خليل السباعي
في هذا اليوم، السبت، من شهر سبتمبر، والذي هو شهر يعرف الامتزاج بين الحرارة والبرودة، ومع هبة ريح خفيفة رطبة، ذهبت إلى مقهى” أمواج” بمرتيل.
طلبت من النادل قهوة سوداء عادية، وشرعت في فتح عوالم فضاء التواصل الاجتماعي ” فيسبوك” لأتابع ما ينشر… لاشيء جديد، غير تلك الأخبار، والمقالات، التي اعتدت، على قراءتها، مع بعض التغيرات الطفيفة، ثم، فتحت اليوتوب، لم أهبط إلى درجات التفاهات، والأخبار المألوفة، المتواترة، ولكنني شاهدت فيديو. هذا الفيديو يظهر لقاء صحفيا مع الفنان التشكيلي حسن الشاعر، المقيم بمدينة تطوان، ولأنني أعرفه، شخصيا، قمت بتشييره! أعرف حسن الشاعر منذ التسعينيات، ولا أنسى فضله في تصميم غلاف روايتي” ناتاليا”.
كتبت بعض النثار، ومن حين لآخر، أحتسي قهوتي السوداء العادية، بلا انتباه. وعندما أحسست بأن لي رغبة في الذهاب إلى المرحاض، جمعت علبة دخينتي ونظارتي السوداء، وأديت الغرض، ثم عدت إلى الكرسي… وضعت أغراضي البسيطة على المائدة، وشرعت في قراءة بعض النصوص المكتوبة عن أمبرتو إيكو، أو ماكتبه هو ذاته من نصوص قصيرة، ثم عدت إلى قهوتي السوداء العادية، فلاحظت أن شيئا منتفخا في قلب الكأس، لم أتبين شكله، ولكن بعد بحث دقيق، وهذا شيء أعرف تفصيلاته، بشكل جيد، كما أعرف إوالياته، وأغواره، أدركت أنني أمام ذبابة، ولكنها كانت ترتعش، وغدا شكلها أكثر سوادا من سواد القهوة! حينئذ تساءلت:” هل هذه الذبابة تمتلك ذاكرة؟!… كيف يسعني أن أنقذها من الموت، وهي ترتعش، وستموت بعد دقائق، لأنها لن تستطيع التنفس وسط السواد المسود كالليل؟!…
لأتمهل، والحالة هذه، وبما أن فيروس كورونا المستجد جعل الخوف ملتصقا بالجلد، وبالأكثر بالنفس، تركتها لمصيرها! وقلت في سري:” هذه الذبابة ذاكرة مرتيل!”.
وفي هذا الوقت، تحديدا، تذكرت ماقاله أمبرتو إيكو” الذاكرة هي الروح”.