يوسف خليل السباعي
لماذا هذا التنوع في الأعمال التشكيلية في لوحات يوسف الحداد؟!. سؤال يبعث على الدهشة. لايتعلق الأمر هنا بالدماغ المفتوح فقط، وإنما بشيء ماوراء الدماغ!.
إن الفنان التشكيلي يرسم كائنات أساطيرية، لا توجد إلا في تخييله، كائنات ليست متروكة لمصيرها، وإنما متحكم فيها، مسيطر عليها، بمعنى أنها كائنات فارغة، لاقدرة لها على التحرر، لأوضح أكثر: كائنات مشلولة، ومقيدة.
يلاحظ المتأمل في هذه اللوحة كائنات ناظرة إلى الأسفل مغلفة باللون الأصفر، ذلك اللون الهادئ، السلبي (توظيف متقن لهذا اللون في اللوحة) لاتنظر إلى بعضها البعض، إذ ليس هناك تحديد للنظرة، بل سقوط لها، إنها نظرة إلى التحت، إلى ما هو أرضي، في حين يلاحظ المتأمل في الفوق في اللوحة شكلا شبحيا ضبابيا كالغيوم مغلفا باللون الرمادي يتجسدن من خلال يد ممتدة إلى أدمغة الكائنات، والذي ليس باللون الأبيض ولا الأسود (فليس ثمة لعب فني على ثنائية ضوء- ظلمة كما نجد ذلك في لوحات الرسام رمبرانت).
إن يوسف الحداد يكسر صلابة الرسم الكلاسيكي ليخلق تشكيلية حداثية تستمد أسلوبها من الفن المعاصر بالتواء، محاولا تكسير المعنى، خلق فراغ في المعنى، مستدعيا الإختلاف، من منظور الإختلاف غير القابل للإختزال، ومن هنا إبداعيته.
إن اليد لها قوة الحركة، قوة اللعب، وقوة القبض والسيطرة. إنها اليد المبهمة التي تحرك الأشياء والكائنات من خلال العمل على الدماغ والأدمغة المفتوحة، الميتة- الحية! هذه اليد الظاهرة تارة والخفية تارة أخرى من وراء الغيوم الرمادية لاتبحث سوى عن مايمكن كشفه عن الذكرى والتذكر والذاكرة!
ذلك أن كائنات بدون هذه الأشياء تغدو مثل آلات جامدة، تتحرك بموجب من يسيطر عليها.
إن يوسف الحداد يغير ثنائية ضوء- ظلمة، إلى ظل، وهذا مايمنح لوحاته اللذة، إن الكائن الظل، وبدماغ مفتوح لايسلم هو الآخر من سائل الغيم، لكنه ليس سوى ظل، عار. إنه ذكرى مبتورة، مثقوبة، ومقطعة، ومع ذلك لاينفلت من التحكم به.
إن القبض على الظل ككائن مختلف، ليس إلا قبض على الريح: روح لامحل لها.