يوسف خليل السباعي
لا أحب أن أصور المجنون وهو يأكل، ولا حتى وهو أمامي الآن، وأنا أنظر إلى ملامحه الغامضة، والغريبة، وملبسه الغريب، والفقير، غير المرتب، وغير المتناسق، كما هو حال ملبس الجنرال، والوزير، والبرلماني، ورئيس الجماعة، ولا ملبس المحامي والقاضي، في المحكمة، ولا القائد الأبله، أو الموظف البنكي، وغيرهم. ملبسه رث كالمزارع.
في حقيقة الأمر وأنا أنظر إليه الآن، كما نظرت إليه بالأمس، وفي الأسابيع، والأشهر الماضية، كان يمشي، ثم يقف، لايتكلم قط، وجهازه العصبي لايتحرك، وهو هادئ تماما، ولكنه ينظر إلى شيء، لاينظر إلي.
كان المجنون يقف أمام المقهى التي كنت جالسا فيها أحتسي كأس “كولاكاو” بالحليب، وهي توجد أمام مركب “البجوقي” بمرتيل، الذي سيتحول، لا أعرف متى، إلى تجزئة سكنية، كما هو مكتوب في اللوحة، وهو ينظر إلى البعيد، فزبائن المقهى، وعددهم، كالأصابع الخمسة، لم يلفت انتباههم، لأنه، في نظرهم، مجنون، ولكنه، كان يحمل كيسا بلاستيكيا يحوي ال” منضلينا” يقشر الواحدة، مثلنا، ويأكلها. كان ينظر بعيدا، ويأكل فحسب!
كل اللذة، في منضلينا المجنون! وهذا مالا يفهمه الناس الذين حكموا عليه بأنه مجنون، لمظهره البائس لا غير!