المناضل عزوز لعريش في ذمة الله

عن حائط عبد العزيز الطريبق بموقع فيسبوك؛ نشر الإثنين 4 أكتوبر 2021

وداعا با عزوز !

كادت أخبار الموت الواردة علينا من كل حدب وصوب، مع الجائحة، أن تخدر مشاعرنا اتجاه هذا المصاب الجلل. لكن لخبر وفاة الصديق والرفيق عزوز لعريش وقعا آخرا، ما يشبه الصدمة، رغم مرضه الطويل ومعاناته مع شكل نادر وقاتل من سرطان الصدر…
الرفيق لعريش كان رمزا آخر لشباب الستينات والسبعينات الذي أعطى الكثير من نفسه انطلاقا من منظوره لحب الوطن الذي يجمعنا وإخلاصا لقضايا شعبه. التزم الرفيق عزوز مبكرا مع “جبهة الطلبة التقدميين” ثم منظمة “إلى الأمام”، ولم يكن من النوع الذي يقتصد في العطاء، فكان أن غادر دراسته المتقدمة في المدرسة المحمدية للمهندسين، ودبلوم الهندسة الذي كان قريبا منه، ليلتحق “بالسرية” ويتدرج في المسؤوليات التنظيمية بالرباط، إلى أن اعتقل في بداية سنة 1976 بمعية الشهيدة سعيدة لمنبهي ومجموعة أخرى من الرفاق… وقد تعرض عزوز لعريش لتعذيب مركز وشديد، بحكم مسؤولياته التنظيمية، في معتقل درب مولاي الشريف سيء الذكر ثم أرسل مع باقي الرفاق لسجن عين البرجة بالدارالبيضاء، وبعد صدور الأحكام في ملف “السرفاتي ومن معه” في 14 فبراير 1977، أرسل إلى السجن المركزي بالقنيطرة مثقلا ب32 سنة سجنا…
“قلق” عزوز لعريش الفكري جعله من الرفاق الأوائل الذين احتكموا للعقل وأطلقوا سراح التفكير في التجربة ومراجعتها. عاشرته خلال مراحل مهمة من هذه الفترة ولمست فيه قدرة هائلة على الاجتهاد والتحليل. جمعتنا “حمى” إعادة النظر في “المسلمات” الإيديولوجية والسياسية التي نشأنا عليها، وكانت “مغامرة” شيقة ومؤلمة في نفس الوقت اجتزناها مع بعض…
بعد إطلاق سراحه في أواخر شهر دجنبر 1986 ابتعد الرفيق عزوز عن الأضواء، ولطالما اعتبرت ذلك خسارة لطاقات فكرية ضاعت واختار صاحبها عن قناعة ذاتية “مغادرة” الساحة…
اهتم الرفيق عزوز ببناء أسرته مع زوجته السيدة زهيرة نزهري، أخت الرفيق المرحوم رشيد نزهري (الذي انتزعته “كورونا” منا منذ حوالي سنة)، ، حيث رزقا بولدين. وكذلك بإتمام دراساته العليا بالنظر لطموحه المعرفي… ثم انتقلت الأسرة، لأسباب صحية من مدينة المحمدية إلى مدينة مراكش…
تباعدنا جسمانيا، لكن الود لم ينقطع بيننا، كما أننا التقينا، ولو على فترات متباعدة، لتجديد أواصر المودة… وأعاد الفايسبوك والواتساب خيط اللقاء بيننا في نقاشات غنية ومثمرة…

صورة من حديقة حي ألف 2 بالسجن المركزي القنيطرة بداية الثمانينات… الصورة فيها كل من يونس المجاهد وجمال بنعمر وعبد العزيز الطريبق

في السنوات الأخيرة أصيب عزوز بمرض مؤلم أضاع أكثر من سنة في علاج “أسبابه”، ليتبين أن الطبيب أخطأ في التشخيص مضيعا على المريض وقتا ثمينا في محاصرة الداء الفعلي.
وقد تبين أن عزوز يعاني من سرطان في الصدر وليس من tendinite في الكتف كما قيل له !وهو سرطان نادر ناتج عن الإقامة في مكان مغطى بسقف مكون من مادة amiante المسرطنة التي تعطي مفعولا متأخرا قد يظهر حوالي أربعين سنة فيما بعد. فهل التقطه في درب مولاي الشريف أم في زنازين سجن عين البرجة أو السجن المركزي، لأن عزوز لم يسبق له الإقامة في أماكن بتلك المواصفات، حسب ما حكاه لي…
تعامل عزوز مع مرضه بنفس الشجاعة والصرامة المعروفة عنه بحيث وضع نصب أعينه الشفاء من مرضه. وقد انتقل لهذه الغاية للسكن بمدينة الرباط كي يكون قريبا من طبيبه المعالج. قاوم حصص “الشيميو” وتدهور حالته الصحية بجلد وبإيمان راسخ… إلى أن أفقت اليوم على هذا الخبر المؤلم الذي هز كياني.
وداعا صديقي ورفيقي عزوز. لن تمر مرور الكرام من عالمنا هذا وستظل حاضرا بيننا إلى الأبد بإسهاماتك وروحك النقدية وقلقك الفكري واجتهادك المتواصل…
خالص العزاء لأسرته الكريمة ولكافة أفراد عائلته ولكل من عاشره من الرفاق والأصدقاء…

ملحوظة:
عزوز الثاني من اليمين جلوسا على الحائط القصير… ثم عزوز في صورة له خلال شهر يوليوز الماضي

Loading...