صلاح بوسريف يكتب عن الخوف من الثقافة و الأشجارُ التي تموتُ واقِفَةً

يوسف خليل السباعي

تحت عنوان شاعري دال “الأشجار تموت واقفة”، كتب الكاتب والشاعر والصحفي صلاح بوسريف في عموده اليومي بجريدة “المساء” عدد السبت الأحد 16-17 أكتوبر 2021، أنه” في الدول التي تحترم شعوبها وتقدر قيمة الإنسان وما له من تأثير في حضارتها وثقافتها واقتصادها، وما تجنيه من ثروات مادية ورمزية، لا يمكن أن تكون الثقافة والفن، ثانويين، أو ضمن آخر سلم أولويات هذه الدول”.

وأضاف:” كون الثقافة هي الحرية في الإبداع، وفي الرأي، وفي الفكر واقتراح الحلول، وتكوين شخصية الإنسان، وشحذ ذكائه، وما ينبغي أن يكون عليه من استقلال، ومن تحرُّر، ومن جرأة في التعبير عن هواجسه، أو ما يبدو له اختلالاً في تدبير الدولة، أو في تدبير إداراتها، أو في تدبير الثروة، وتدبير الرموز الثقافية والفنية التي هي ثروة لا تُقدَّر بثمن، لأنها هي الوطن، وهي لسان وعقل وخيال هذا الوطن، وهي التركة الوحيدة التي يرثها الجميع، بقدر ما يستطيعون، وما يكونون عليه من استعداد ليكونوا ورثة ثقافة وفنون، أي ورثة جمال وخلق وإبداع، فهذا معناه أنَّ البلاد التي تنظر شَزْراً إلى الثقافة والفن، هي بلاد لا تقدر قيمة الإنسان فيها، بل تنظر إليه كآلة أو أداة للإنتاج لا غير”.

وتابع صلاح بوسريف بخصوص وضع الثقافة والفن في مرتبة دنيا:” في هذا الفكر المغلق، والأعمى الذي يحجب الثقافة والفن، ويقلص من مكانتهما، أو يضعهما في مرتبة دنيا، ما يكشف عن جوهر المشكلات والأعطاب، بل المصائب التي نعانيها في التربية وفي التعليم، وما يُهاجمنا به الإعلام من سخافات، يُسَمِّيها ثقافة وفناً”.

و بانتقاد شديد، سطر صلاح بوسريف” ليس المجتمع تجمُّعاً بشرياً تجري فيه العلاقات مثلما نتصوَّرُها في الآلة، أو في المعمل الذي يكون الإنتاج فيه آلياً، محكوماً بالكم، أو بالسُّوق، وليس بمن يقف خلف الآلة أو الإنتاج، أو هو العقل الذي يُدِيرُ الآلة. المجتمع هو كِيانٌ بشري، مبني على علاقات ثقافية، وعلى لغة أو لغات هي جزء من هذا الكيان، وعلى رموز ودلالات، يدخل فيها الفن، كما تدخل فيها العمارة، ويدخل فيها الرأسمال الرمزي، الذي صار، اليوم، في عدد من الدول المتقدمة، حقّاً، رأسمالا مادياً، والسياحة عندها هي سياحة ثقافية فنية وتاريخية. ما يعني، أن الثقافة، هي، أوَّلا كيان المجتمع، وكيان الإنسان، وكيان التاريخ، وكيان الشعوب والأمم، وكيان الوجود البشري على الأرض، وإلا بأي معنى يمكن أن نفسر دور المآثر التاريخية التي تحتمي بها الأمم، لو لم تكن تعبيراً عن هذا الكيان، وعن ما يبقى من هذه الأمم، بعد أن تنتهي الأشياء العابرة، التي تزول، كما يزول البرق الخُلَّب الذي ما إن يضيء حتَّى يُعْتِم و يتلاشى”.

ثم لم يفتأ أن طرح تساؤلا جوهريا:” هل حين نضع الثقافة كواجهة، فقط، أو كإكسسوار من أكسسوارات الدولة التي تسعى بها تزيين مؤسساتها، أو الإيهام بأنها جزء من مؤسساتها، نكون، فعلاً، انتصرنا للثقافة، أو ضاعفنا من تهميشها، بالتركيز فيها على ما نعتبره ثقافة من منظور فلكلوري، أو من منظور استهلاكي فرجوي، كما يحدث في اختياراتنا الموسيقية، أو المسرحية، أو الإعلامية التي هي ترويج لثقافة ليست بعمق الثقافة، ولا بمعناها الذي هو المعنى الكياني، أو المعنى الذي ينأى بنا عن الطبيعة، ويأخذنا إلى المدينة. الطبيعة، هنا، نقصد بها الجانب البهيمي الذي يكون فيه البشري مهيمناً على الإنساني، وهو الوضع الذي ما نزال نراوحه، بل هو سبب تعثُّرنا في كثير من المواقف التي تُخِلّ بمعنى المجتمع عندنا”، واقفا عن هذه النقطة المضيئة والمتعلقة بتلبية حاجات الإنسان الثقافية، والتي لاينتبه لها ولايتم الاهتمام بها أصلا ملمحا إلى الشجرة:” ما لم نُلَبِّ حاجات الإنسان الثقافية، لن نستطيع الخروج من الحَرَج الذي نحن فيه، وهو حرج مرتبط بالعقل والخيال، وبابتكار الأفكار والمشروعات والحلول التي ليست ترقيعاً وترميماً، أو سدّاً للشُّقوق دون معرفة أسبابها، وما أدَّى إليها، لأن شحوب الشجرة، يعنى أن جذورها جَفَّت، لم يُعد الماء يصل إليها، أو هو ليس بذلك القدر الذي يعطيها الحياة، ويُعِيد إليها خضرتها وثمارها”… ليصل صلاح بوسريف إلى هذه النقطة الهامة والمرتبطة بمسألة بعيدة الغور وهي مسألة الخوف من الثقافة، وهي قابلة للنقاش، متسائلا بذكاء المثقف والسياسي الحقيقي في آن:”هل نخاف الثقافة، ونحن ندَّعِي الديمقراطية وحقوق الإنسان.

فالديمقراطية، أصلها ليس سياسياً، بل ثقافي، والسياسة، نفسها، أصلها ثقافي، لأن كل هذه المفاهيم التي نُخْفِي خلفها الثقافة، أو نحجب بها الثقافة، هي فروع لجذر، شحوبه، هو شحوب الشجرة، رغم أنها واقفة. وحتَّى لا ننسى، فالأشجار تموت وهي واقفة”.

Loading...