يوسف خليل السباعي
في صباح رائع من أواخر شهر يوليوز، وكانت الشمس تغلف بنورها مركب “النجمة” الذي يوجد قريبا من صيدلية “برونكاتيول”. وليس بعيدا عن الجبل الذي يعانق السماء الزرقاء الصافية والغامضة، كان نسيم الريسوني جالسا في منزله يتابع فيلما هنديا تاريخيا” “مانيكارنيكا: ملكة جانسي” حيث سمع صوت بهيمة تجر للذبح، لم يرى الدماء التي كانت تنتشر في أسفل البناية العالية العامرة بالمنازل المتقاربة والمتباعدة. وكان منزل نسيم الريسوني في الطابق الرابع، لكن عند النظر إليه من الأسفل لا يظهر، كأنه مغارة… لم يكن الصعود إليه سهلا، حيث يتطلب الأمر بذل مجهود رياضي، واختبار الدرجات الزليجية البنية للوصول إليه.
كانت الدماء النازفة من البهيمة كتلك الدماء السائلة في ميدان الحروب، والتي تظل كأمارات، ويكتب عنها المؤرخون وتشاهد في قاعات السينما أو في القنوات التلفزيونية واليوتيوب.
ولم تكن هذه البهيمة المسكينة تعرف أنها ذات صباح من الأصباح ستذبح وهي تنتظر مع بهائم أخرى مرقمة في محبس خاص له باب حديدي أسود مسود كالفحم، لكن به كوى صغيرة تفسح المجال للنظر والاطمئنان على أن البهائم ساكنة أو تتحرك، أوتصدر أصواتا غير مفهومة كأنما تحدس بخطب ما.
عندما كان نسيم الريسوني يشاهد الفيلم الهندي السردي المركبي التاريخي الغارق بالدماء أحس بألم في القنوات التنفسية، فارتدى ملابسه على عجل، فتح الباب، ونزل الدرجات تاركا الباب مفتوحا دون أن ينتبه لذلك، ذلك أن الألم كان يزداد بشدة شيئا فشيئا، والقنوات التنفسية لاتساعده على التوازن والتفكير العقلاني.
فكر باضطراب: “إني سأضيع الوقت، إذا اشتريت شراب…”
لم يكمل جملته. كان يحب أن يقصد صيدلية “برونكاتيول” ، لكنه فضل الذهاب لعيادة طبيب.
وصل إلى العيادة التي تقع في ممر متعرج قريبا من ثانوية “وادي الانتظار”. كانت عيادة الطبيب ممتلئة بالمرضى الذين يتألمون بسبب اضطرابات في القنوات التنفسية، ويمسكون الأرقام في أياديهم كما لوكانوا يمسكون بحبال متسلقي الجبال.
ظل نسيم الريسوني واقفا لساعات وهو يتألم، وشرع للتو في تأمل رقمه ال 20، ثم، تذكر البهيمة المسكينة التي كانت تنتظر وعيونها مفتوحة على المجهول، وخرج من العيادة، مسرعا إلى صيدلية ” برونكاتيول”.
اشترى الشراب. فتح القارورة. كان لون سائلها أحمر. شرب جرعة واحدة على عجل، وأسرع الخطى، برغم الألم، بعد تذكره أنه ترك باب المنزل مفتوحا.