يوسف خليل السباعي
في ليلة من ليالي الخريف، شيء ما أو صوت ما غير واضح مثل نجمة حمراء مر بعجلة من أمام حمزة البوعناني وهو يتمشى إزاء محطة القطار القديمة. شيء غامض؛ لربما يعود إلى ماض لم يعد له أثر إلا في الذاكرة أو المخيلة أو الحلم أو بقايا الصور التي بقيت مهملة، ولم يفكر فيها أحد.
كان حمزة البوعناني يعرف جيدا محطة القطار القديمة، لكنه يعرف أيضا أنها لم تعد موجودة، لأن الزمن يضيع كما تضيع الأحلام والذكريات والمعالم الأثرية والبشرية، كل شيء ينمحي ويتوالد، وبما أنه ليس رجل تأريخ، ولايفهم التاريخ الجديد كما يفهمه مؤسسه فرنان بروديل، وليس شغوفا بالجغرافيا، ولا بالأرشيفات، وليس إخباريا وصحفيا ولا مصورا فوتوغرافيا، ولايفهم في الإخراج… لم يستوعب رمزية النجمة الحمراء التي مرت أمامه بعجلة.
أصاب حمزة البوعناني الذهول ولم يفهم ماذا يحدث، واستغرب لذلك، حيث لم يفكر في أن أمرا كهذا يمكن أن يحدث له وهو الذي تعود على المرور من أمام محطة القطار القديمة التي يعرف أنها لم تعد موجودة… كأنما عاصفة اجثثتها من جذورها، وحل محلها مركز فني كان متحفا في أول الأمر مليئا باللوحات الصباغية.
عندما وصل حمزة البوعناني إلى منزله، أصابته حمى، وبدأ يتلفظ بكلمات غير مفهومة، فسألته زوجته رحمة الخياري:” ماذا حدث لك يارجل؟… وأردفت:” لست الليلة على عادتك”.
وعندما تحسست بيدها… جبينه، وهو صامت، متوجع، وفي حالة ذهول، بل في حالة خبال؛ كانت النار تشتعل في رأسه، وبدأ يهذي بال:” النجمة الحمراء”. فلم تتوقف رحمة الخياري في نشر الخبر بين الجيران الذين أوصلوا دخانه المدوي إلى الساكنة التطوانية والصحافة ومستعملي الشبكات الاجتماعية.
لا أحد عرف ما ذا حدث لحمزة البوعناني الذي انتشر خبر وفاته في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث استغل البعض موته للحديث عن أن سبب موته هو نجمة حمراء، إلا أن الحقيقة التي سيعرفها الجميع بعد شهور أن الأمر كان يتعلق بال” الطرمبية” الحمراء التي كانت ساكنة كحشرة ضخمة في لاشعور حمزة البوعناني، وهي من شظايا حكايات والدته فاطمة الشعباوي التي لا يعرف سيرتها إلا من كانوا يعرفونها في ذلك الزمن الضائع، وكانوا من ركابها.
كانت حكايات فاطمة الشعباوي عن الطرمبية الحمراء التي ركبتها وتعرف تصميمها الميكانيكي وأسرارها وأسرار ركابها، وكانت ترسمها بصباغتها الحمراء بشوق لإبنها الميت الذي حمل حكايتها معه إلى قبره.