يوسف خليل السباعي
عندما كان يشعر يونس البرقوقي بالقلق، وأنه وحيد، لايكلم أحدا، ولا أحد يكلمه، يفضل المشي من باب العقلة إلى ساحة الجلاء، وفي هذه الساحة يجلس بالقرب من المدفع المتصلب والذي قام أصحاب الوقت السريين والعلنيين بانتزاعه من قعدته المريحة والإلقاء به في هوة سحيقة؛ في ذلك الوقت بدأت الأقوال تنتشر في المدينة البيضاء التاريخية كالنار في الهشيم.
قال علال الوزاني الذي يؤمن إيمانا قاطعا بوجود العفاريت:
– ” إني شاهدت بعيني المسموح بأكلهما الديدان أن عفاريت هبطت من السماء واقتلعت المدفع من قعدته المريحة، وصعدت به إلى السماء العالية، الصافية والغامضة، وهذا ما جعلني شاردا، ومنتظرا أن يعود إلى قعدته المريحة في يوم من الأيام. وفي كل مرة، أروح لموضعه، لا أجد سوى الفراغ”.
وفي ذلك الوقت، الذي اندثر ككل الأوقات، تسربت كنور الشمس أقوال وصلت إلى المسامع والأعين والبحار الزرق، ومنها ما سرده جابر الطريس الغيور على مدينته التاريخية، إذ قال:” الحقيقة أن المدفع رفع إلى حديقة الباشوية، وبقي هناك وحيدا، ومقهورا، حتى يأذن له كبار القوم بالعودة إلى قعدته المريحة”. ولم ينكر أحد أن هناك حساد كثر كانوا يريدون الانتقام منه لقعدته المريحة وأبهته، ولم لا، لفخفخته.
آنذاك، تذكر يونس البرقوقي وهو يمشي بتؤدة مافعله الوزير الذي قرأ ” سفر أيوب” بلوحة بيرتوتشي، بنقلها من مندوبية السياحة إلى الرباط، إلا أن الضجة التي رجت الأقدام وأطالت الألسن وأهرقت الحبر أعادت اللوحة على كف عفريت. ومنذ ذلك الوقت وعلال الوزاني فرح، ويضحك مع ذاته وهو يمشي في شارع محمد الخامس، ويصيح في وجه المارة:” ألم أقل لكم، إن العفاريت موجودة وقادرة على إرجاع اللوحة… سترون، سيرجع المدفع”.
لم يكن أحد يدرك مدى تعلق علال الوزاني بالمدفع كما لو أنه أمه التي أنجبته، ولكن هذا التوله بهذه المعلمة ليس في الباطن إلا وعي بحضارية ما لهذه المدينة البيضاء التاريخية، وصلابة الأثر كعلامة على تاريخ أريد له أن يموت.
تابع يونس البرقوقي مشيه في الشارع الفسيح الذي تحيط به البنايات المعمارية التاريخية حتى وصل إلى سينما أبنيدا، ومن ثمة ذهب توا إلى ال”بابيونيس”، لم يعد يسكن به إلا قلة من الإسبان و عدد من المغاربة وجلس في حديقته الصغيرة، حيث كانت تجلس كارمن وابنتها مانويلا، وشرع في التفكير في جولاته الصغيرة بين بناياته التي كانت عبارة عن دوائر في محيط مائي.
^ الصورة عن صفحة ” صور تطوان”