يوسف خليل السباعي
لم يدرك أبدا يحيى العاقل أن شجرة وحيدة مغروسة منذ القديم وسط الأرض الشاسعة لمالكها مصطفى بريطل، ولكنه علم بذلك عندما رأى الشجرة والأرض الشاسعة.
كانت أرض في الخلاء كما لو أنها أرض مهجورة، ولم ينتبه إليها رجل السلطة محمد زغلول أو رئيس الجماعة محمد البستاني الذي كان لايفهم في السياسة شيئا. لكنه يفهم في الأراضي والبساتين، وكثيرا ماكان يرى حاملا معزقة يلتصق بها التراب. ولم تكن ثيابه نظيفة كما هو عليه الحال اليوم، حيث أصبح يرتدي بذلة زرقاء نظيفة وربطة عنق حمراء مرسوم عليها نجوم اشتراها من أحد المحلات بسوق ” باب النوادر”، ويمتلك مكتبا كبيرا وسيارة فخمة وفيلا تركض فيها الأفراس، وماخفي لايعلمه إلا الله والبنوك.
ولم يعرف أحد من المتتبعين للأحوال والأحداث والأخبار ما هو السر وراء عدم انتباه محدثي النعمة إلى هذه الأرض الشاسعة بعد أن تسلطوا على أراضي أخرى بالخداع والتزوير والتحايل، وبالأولى، بحجة المصلحة العامة، شيء لم يصدقه عقل.
قال مصطفى بريطل:” ذات صباح، اتصل بي أحد المتتبعين للأحوال وأخبرني أن عمالا نزلوا من شاحنة شركة تابعة للقمة يحفرون أرضك الثانية الصغيرة. وما عليك إلا أن تسرع… حتى لايبتلعوها”.
عندما وصل مصطفى بريطل وجد عمال الشاحنة يحفرون ويلقون بالأعشاب والحجارة لجمعها، فانطلق كثور هائج وأووقفهم، بل قام بطردهم. والحق أنه لم يكن بمفرده، بل جاء بالصحفيين وأولاده، فتمكن من استعادة أرضه الثانية بذراعه وبأضواء الصحافة.
كان مصطفى بريطل يشعر أحيانا بالقلق على أرضه، فيذهب بسيارته الحمراء إلى أرضه الشاسعة، وينظر إلى السماء العالية، الصافية والغامضة، ولايلقى راحته إلا عندما يجلس عند الشجرة الوحيدة القديمة، وهو بين اليقظة والنوم، متخيلا سوط زغلول ومعزقة البستاني وعمال الشاحنة.
كانت الشجرة تدرك بذكائها الألم الذي يكابده مصطفى بريطل برغم امتلاكه للأرض الشاسعة الأولى والأرض الصغيرة الثانية التي لن تسلم من تسلط أقوياء الوقت.