أعترف أنني لا أفهم جيدا مدلول هذه العبارة ولا أجد حرجا في هذا الإعتراف وعلى هذا الأساس يجب تضافر الجهود لنشر الثقافة الدينية في جميع الأوساط وبين مختلف الفئات، ثقافة قائمة على التسامح و حرية الإعتقاد مبرئة من الشطحات والإنحرافات والمبالغات والتوهمات العقدية، فالثقافة الدينية هي بمثابة زادا يوميا للمواطنين والمواطنات ومصدرا للمعرفة الشعبية العامة وليس بالشعبوية وهي التي تحصن الإنسان من الزيغ والإنزلاق في براثين التطرف والإرهاب.
إن القراءة العقلية للثقافة الدينية هو الذي يعزز الإطمئنان الديني ويرسخ الإستقرار الثقافي ويقوي الجبهة الداخلية ضد المؤثرات الفكرية والعقائدية الخارجية وستكون لهذه الحركة التنويرية أثر محمود في نشر الثقافة الدينية المعتدلة المتسامحة المستقاة من أمهات الكتب المعتمدة في الشأن ومنها تلك الصادرة في القرن العشرين ( 20 ) في كل من “مصر ” ، “سوريا” ، “لبنان” الهادفة إلى تصحيح المعتقدات والمفاهيم ولتقويم السلوك ولتنوير العقول بحقائق بما لا يجوز جهلها من أحكام الشرع خاصة في مجال المعاملات.
في ضوء ما سبق، فالتنوع في التيارات والدوافع هو ما يعبر عنه بالتنوع الثقافي الذي يوصف في الأدبيات العالمية بأنه التنوع الخلاق الذي اعتمدته اتفاقية دولية صدرت عن منظمة اليونسكو UNESCO، فالإعتراف بالتنوع الثقافي والإقرار بالحق في الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والحضارية هو الخطوة الأولى نحو الإستقرار الإجتماعي فمن الخطأ التصدي للأفكار مهما تكن درجة الإختلاف معها لمجرد أنها أفكار تتعارض أو تختلف مع ما هو سائد في المجتمع فالقراءة العقلية للثقافة الدينية السائدة هو مقدمة للاعتراف الذي يعني التسليم بوجود مغاير وبحالة مختلفة وهذا هو ما وقعت فيه الدولة المغربية – إمارة المؤمنين – وفشلت سياستها فيما سمته ( تدبير الشأن الديني ) لتغييبها للسياق المحلي الثقافي، فالمواطنون والمواطنات يريدون إيجاد توازنهم الخاص بين الحرية والنظام الأمر الذي أدى إلى التسبب في خلط الأوراق وفي إرتكاب جرائم من قبل تجار الدين يمكن أن تكون سببا في تأجيج نار الفتن و نشر الكراهية في المجتمع.
إننا نعيش اليوم مرحلة القلق الأكبر وليس من الحكمة أن يترك عقلائنا لهذا القلق أن يدمر في المجتمع روح المبادرة والجرأة على التجديد في الثقافة الدينية واتخاذ قرارات الصعبة فرياح التغيير تهب عواصفها من كل صوب وهو الأمر الذي يستدعي منا وضع مخططات بفكر جديد وبمنهج عقلاني، فالعقلاء هم وحدهم الذين يبحثون عن مواقعهم في هذا العالم الجديد حتى يركبونا سفينة الأمان وإعادة الروح للقيم الإنسانية في أفق إحداث التغيير الجوهري أي التغيير الإيجابي القائم على القراءة العقلية للثقافة الدينية لأننا نقف اليوم أمام الخيار الصعب بحيث تتجاذبنا تيارات فكرية كثيرة.
لقد مضى عصر الإنغلاق الإيديولوجي الثقافي ذلك العصر الذي أصبح من مخلفات التاريخ و لا ينبغي أن تعوق هذه المخلفات / الأزمات مسيرة المجتمع الزاحف نحو المستقبل فأحيانا الأزمة تعني فرصة جديدة لأن من يتحلون بالروح العقلانية الإيجابية سيستفيدون من تلك الأزمة في تجديد المفاهيم السائدة و إعادة الروح للقيم الدينية – جوهر الرسالات السماوية – التي تحطمت مما سيؤدي لا محالة إلى التغيير الجوهري للمشهد الثقافي ببلادنا بصفة عامة.
عبد الاله شفيشو
السجن المحلي شفشاون