دروس وعبر من رحيل الطفل ريان

أنس الحسيسن

وحد رحيل الطفل ريان إلى دار البقاء، وهو لم يتجاوز خمس سنوات من عمره، قلوب الإنسانية جمعاء محليا ووطنيا ودوليا بعد سقوطه في بئر، حيث  بذلت على مدى خمس أيام جهود قصوى من أجل إنقاذ حياة الطفل، لكن مشيئة الله شاءت أن يغادرنا الطفل ريان هذه الدنيا إلى دار البقاء، ويدفن في قريته بدوار إغران.

إن رحيل الطفل ريان خلف مشاعر من الحسرة و الحزن والألم، رافقها تضامن واسع، وتقاسم لهذا الفراق المؤثر شرائح من مختلف دول المعمور،  حيث عبرت عدة شعوب  العالم عن تبادلها نفس الأحاسيس والمشاعر من الحزن، التي انتابت المغاربة بالدرجة الأولى كما شملت مشاعر الحزن باقي أفراد العالم، وهكذا   لم يفوت كثير من رؤساء الدول و الهيئات الدولية ورجال الدين والسياسة والفكر والفنانين والرياضيين هذه المناسبة الأليمة ليعربوا عن تضامنهم مع أسرة الفقيد ومع الشعب المغربي، وهو يعيش لحظات صعبة، كان البحث فيها جاريا على قدم وساق من أجل الوصول إلى ريان.

لقد كان الحدث مؤلما، وشد أنظار العالم، وإلى مكان الحفر، الذي عمل فيه المختصون بكل حرفية ومهنية  من أجل إعادة الطفل ريان إلى أسرته ليعود إلى حياته الطبيعية كباقي الأطفال، وإلى ما كان  يراوده من أحلام في الصغر والكبر.

إن انتقال الطفل ريان إلى جوار ربه، سيترك دروسا وعبرا، ولعل أبرزها هذه الحركية والدينامية من التضامن والتآزر، التي   عبر عنها المغاربة أجمع ، ينضاف إلى ذلك  أن هذه الفاجعة أظهرت أهمية إدارة  تدبير الكوارث، وكيفما كانت نوعيتها، ومكانها الجغرافي،  وهو ما يتطلب إعادة النظر فيما قد تخلفه مثل هذه الحفر من مآسي، مما يطرح معه ضرورة تحسين وتطوير  مناطق هي  في حاجة إلى تحسين بنياتها التحتية،  وغيرها من شروط الحياة، إذ كلما غابت أو قلت فإنها قد تهدد حياة الإنسان، لاسيما بالنسبة للأطفال، الذين هم في حاجة إلى عناية واهتمام بالغين بدء من البيت مرورا بالمدرسة، ثم الشارع، الذي له تأثيرات خاصة على حياة الطفولة.

وإن من الدروس والعبر، التي خلفتها هذه الفاجعة، هي بعض الممارسات، التي خلفت استياء بعد  أن تحرك بعض المحسوبين على مواقع التواصل الاجتماعي في نقل الأخبار،  والصور ، إذ عمل البعض على ضرب مصداقية الخبر، وتمرير معلومات غير دقيقة، وكان الأهم بالنسبة للبعض هو البحث عن “البوز”، ورفع نسبة المشاهدة ، وهذا بطبيعة الحال مقابل الحصول على منفعة خاصة. وأمام ما حصل، تعالت أصوات منادية بإيقاف هذا النزيف الإعلامي، على اعتبار أن البعض يعتقد أن له الحق في ممارسة مهنة ما دام أنه قريب من الحادث، وبحوزته بعض الأدوات التقنية، ،ناسيا أن هناك  ضوابط وأخلاقيات، يأبى البعض إلا أن يدوس عليها، ولو باستغلال فواجع ومآسي الغير، وهذا يذكرنا بما عرفته الأخبار،التي كانت تتداول في عز وباء كورونا، وهي ليست ببعيدة عن الأذهان، حيث يريد البعض خلط أدوار الوسائل الإعلامية، التي تقوم بها الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.

هذه جملة من الدروس والعبر، التي يمكن استنتاجها من هذا الحدث الحزين، الذي هز العالم لأيام عصيبة، لم تكن سهلة على من كان قريبا جدا منها، وهو يشتغل بدون كلل،  من أجل إخراج الطفل ريان من هذا البئر، وستبقى هذه الأيام محفورة في ذاكرة الجميع، ومعها لن ينسى اسم ريان ليس من ذاكرة المغاربة، وإنما من ذاكرة العالم، فرحمة الله على الطفل ريان.

Loading...