إنه الإنسان الجديد كما سماه “ميشيل سار” ، إنه الحقيقة المدهشة، أحد أكثر التحولات العنيفة على الإطلاق، ظهور إنسان جديد يختلف كلية عن الإنسان الذي ألفناه في العقود الأخيرة، ودرجة الاختلاف هذه المرة، لا يمكن أن تضاهيها كل الاختلافات التي يمكن أن نجدها في كل الحضارات والأزمنة.

هذا الإنسان الجديد الذي أفرزته الحياة المعاصرة يعيش مع الشاشات والأجهزة والأزرار والألواح الذكية والمواقع الافتراضية داخل حياة افتراضية/ واقعية مبهمة، إنه انقلاب في كل شيء، في نمط التفكير، نمط الحياة، أساليب العيش، وظهور رؤى جديدة تحكم هذا الإنسان اتجاه الكون واتجاه نفسه واتجاه الآخرين، إنه الجيل الرقمي الذي أصبح أكثر انفتاحا على العالم بكل تجلياته بفضل تطور وسائل الاتصال والإعلام ، أصبح يسمع صوت الجميع، ويرى كل شيء، وأصبحت المعرفة كما أصبحت الفوضى تنبعث من أنامله من خلال السياحة الافتراضية الخيالية.

إن المعرفة التي دأبت المدرسة على تعليمها وتلقينها للأجيال، أصبحت اليوم موجودة ومتاحة في كل الأجهزة للجميع، وبنقرة واحدة من الأصبع الصغيرة، وتغيرت معها أسئلة التعليم داخل المدرسة: ما الذي يجب تعليمه؟ لمن يجب تعليمه؟ وكيف يجب تعليمه؟ وعن أي معرفة أصبحنا نتحدث لنقدمها للجيل الرقمي؟ وكيف نوصلها إليه؟

بدون مجاملة نشعر وكأن المتعلمين يشكون من تخلف المدرس، لأنه يرى أن مدرسه لا يساير جيله وفكره وحاجياته، لأن هذا المدرس يعلمه انطلاقا من مقررات متوارثة مكررة من سنة لسنة، وأغلب المدارس والمدرسين لا يجددون المناهج والمواد بسبب الإمكانات المادية طبعا.

أصبحنا اليوم نتحدث عن صناعة المعرفة، وعن عمال أو صناع المعرفة، وأصبح التعليم مجبرا على الابتعاد عن الحفظ والتلقين الكلاسيكي، لأن الجيل الرقمي سباق إلى المعارف والمعلومة من مدرسيهم (المتعلمون) يعيشون مع الأجهزة والشاشات والمواقع… حيث المعارف والمعلومات مستجدة.

ويحز في النفس أن نسمع القائمين على الشأن التعليمي يتحدثون بعد زمن كورونا وانتهاء الحجر الصحي إلى العودة إلى التعليم الحضوري حيث الطبشورة والسبورة.والتعليم الصفي داخل حجرة بها مدرس وكتاب.. في تكريس لسقوط المدرسة في نظر الجيل الرقمي وأصبحت متجاوزة، لأنه وبغض النظر عن كورونا لا يجوز أن تستمر في التعليم التقليدي، حيث الطبشورة والسبورة والخشبة التي أصبحت لا حاجة للجيل الرقمي لها، والتعليم الرقمي وعن بعد أصبح ضرورة ملحة. وعوض برامج التربية غير النظامية ومحو الأمية العادية أصبح من الضرورة محو الأمية الرقمية، ويصبح كل مواطن إنسان أن يدرك أنه لا مكان له هناك في هذا الزمكان إن لم يكن رقميا.

 

سليمان العرفاوي / متصرف تربوي

Loading...